النحل والنظام البيئي

كرَّم الله تعالى حشرة النحل في كتابه العزيز حيث خصص سورة فيه عرفت بإسم سورة النحل (16،  مكِّيَّة، 128 آية ) ويقول فيها: “وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ“(69) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالشفاءين العسل والقرآن“.. رواه إبن ماجه في سننه وإبن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان .

ويعتبر النحل (مفردها نحلة) من الحشرات المجنًحة من الفصيلة النحلية يتراوح أحجامها بين (2 ملم – 39 ملم) تقريباً،ووظيفتها إنتاج العسل، وشمع النحل، والتلقيح. كما يعرف منها ما يقارب 20.000 نوعاً، وتنتشر في جميع قارات العالم عدا القطب الجنوبي. يتغذى النحل على الرحيق وحبوب الطلع التي يجمعها من الأزهار، والذي يستخدم غذاءاً لليرقات بشكل أساسي. ومن المعروف أن كثيراً من أنواع من النحل تعيش في مجتمعات تعاونية ضخمة تتكون من أفراد يزيد عددها في الخلية الواحدة على الخمسة والثلاثين ألفاً من العاملات وبضع مئات من الذكور ترأسهم جميعها ملكة واحدة في طائفة أو خلية واحدة. ذلك النوع من النحل تنتج أجيالاً متعددة سنوياً وهذا يعني أن النحل الذي ينتج أجيالاً متعددة كل عام يحتاج لموارد غذائية (حبوب اللقاح والرحيق) في معظم موسم النمو لإنتاج.

ونسبة كبيرة من أنواع النحل تعيش بإنعزالية وذات سلوكيات مختلفة. أما نحل العسل فهو من أهم وأشهر أنواع النحل، حيث يستفيد الإنسان من العسل الذي يصنعه بكميات قابلة للإستهلاك والتغذية كما يساهم في تلقيح الأزهار وبذلك يكون من أكثر الحشرات نفعاً، ويعد أفضل أنواع النحل بالنسبة للمربين هو سلالة (Apis mellifera) أو نحل العسل الأوروبي ويتميز بغزارة الإنتاج وأشدهم عداوة هو النحل الجبلي والنحل اليمني، أفضل أنواع العسل في العالم هو السدر الصافي.والإعجاز في النحل يكون في السلوك العجيب له في تتبع مصدر الرحيق كما أن الملكة تعطي الذكور من بويضات غير مخصبة لبيان قدرة الله على خلق ما يشاء وكيف يشاء وتفيد لسعات النحل في شفاء بعض الأمراض أما أهمية النحل فتكمن في قيامها بالعديد من الخدمات منها جمع الرحيق وتحويله إلى عسل، جمع حبوب اللقاح وصناعة خبز النحل منها، زيادة تخصيب النباتات الزهرية حشرية التلقيح، إنتاج غذاء الملكات، إنتاج علك النحل.

تعد خلية النحل نظاماً بيئياً كاملاً، تتكون من ملكة وذكور وعاملات، تتفاعل مع الكائنات غير الحية المحيطة بها بحيث يؤدي ذلك إلى بقاء الخلية.وللنحل دور كبير في عملية تلقيح المحاصيل الزراعية لما له من تأثير كبير ومباشر خاصة في مجال التنوع الحيوي وحماية النباتات البرية  ، مما يساعد في إدارة الموارد للمحافظة على الزراعة المستدامة في ظل التغيرات المناخية الحالية وما يرافقها من إنتشار آفات مختلفة يمكن أن تؤثر على هذا التنوع في النظام البيئي ومنها النحل والتي تؤثر سلباً على القطاع الزراعي سواء المحاصيل المنتجة أو الأشجار الحرجية أو المراعي وقد كان هناك إنخفاض كبير في الملقحات الأصلية ويرجع ذلك جزئياً إلى فقدان النظام البيئي المتوازن، الأنواع المدخلة، واستخدام المبيدات، وإزالة الغابات، والتنمية الحضرية مما يقلل الموارد المتاحة لغذاء النحل.

وبالتالي فإن المحافظة على النحل أمر في غاية الأهمية وأن هناك حاجة إلى توازن بين التنوع البيولوجي للبيئات الطبيعية ونظام الزراعة المستدامة .فيجب العمل من قبل مربي النحل والخبراء والمتخصصين على نشر التجارب والأبحاث وعقد المؤتمرات والندوات لبيان أهمية دور النحل في النظام البيئي وآلية المحافظة عليه وتسليط الضوء على قطاع يعتبر رافد اقتصادي في تحسين مساهمته في الدخل الوطني لتنوع القيمة الاقتصادية له. ويقع على كاهل العاملين في القطاع بيان أهمية النحل في المزارع العضوية والتقليدية وتوفر التنوع البيئي الطبيعي الذي ينعكس إيجاباً على دور النحل خاصة في موسم توفر الغطاء النباتي الأخضر الذي يستمر (3-4) أشهر من كل عام والتي تؤثر في وجود أنواع عديدة من النباتات والحيوانات على قيد الحياة.

ويقدر أن 80% من النباتات المزهرة تعتمد في الغالب على تلقيح الحشرات، وتشير التقديرات إلى أن نصف الملقحات من النباتات الاستوائية هي النحل وأن كفائته ترجع إلى أعداده الكبيرة، واللياقة البدنية، والسلوك ، ويجد طعامه في الزهور ويمكن أن يكون الرحيق أو حبوب اللقاح.أما عسل النحل-البرية والداجنة، فأداؤه نحو 80 % من عمليات التلقيح في جميع أنحاء العالم حيث أن مستعمرة النحل الواحدة يمكن لها تلقيح 300 مليون الزهور كل يوم.

سبعون من أفضل 100 من المحاصيل التي تدخل في غذاء الإنسان وتزود نحو 90 % من العالم بالتغذية يتم تلقيحها بواسطة النحل.علماً ان قطاع النحل يواجه عدداً من المشاكل والمعوقات  من أهمها ما يلي: قلة الخبرة في العمليات الزراعية الخاصة لصغار المنتجين ،انتشار الآفات المختلفة التي تصيب النحل ،استعمال الميكنة الحديثة ،نقص الأيدي العاملة المدربة وارتفاع أجورها إن وجدت،ضعف وقصور الخدمات الإرشادية والوقائية من قبل النحالين  والجهات ذات العلاقة .أما المشكلات  التي تواجه التسويق فتتمثل بعدم توافر المعلومات التسويقية، ارتفاع تكاليف النقل ،غياب دور التسويق التعاوني ،موسمية الإنتاج بينما الاستهلاك على مدار العام مما يؤدي إلى زيادة التكاليف التسويقية (التخزين) ،المنافسة الكبيرة، إرتفاع تكاليف النقل والشحن عند التصدير.

وللمحافظة على النحل والتنوع الحيوي في ظل التغيرات المناخية والثقافات المحوسبة الحالية التي تكمن بانشاء حدائق خاصة تحتوي على مجموعات كبيرة من النباتات المزهرة يدعمها جهات الاختصاص من زراعة وبيئة وهيئات ومنظمات دولية ، تشجيع المواطنين على زراعة الازهار في مساحات مفتوحة خارج المباني في الاراضي الزراعية التي تم اسخدامها لغير ذلك وزراعة أشجار مزهرة لها القدرة على جذب النحل مثل أشجار الزيزفون والكينا والاكاسيا وغيرها من خلال برامج ارشادية توعوية مرئية ومسموعة ومكتوبة للوصول لاكبر شريحة ممكنة من المجتمع واستخدام طلاب المدارس المسابقات واشراكهم في الانشطة الخاصة بالنحل والنحالين وانتاج العسل وغيره وتبني برامج تنافس بينهم وعمل نوادي متخصصة لذلك  ,اما المناهج المدرسية فهي باب اخر للتطوير بالافكار البناءة لرفد القطاع بالثقافة السليمة ،والمشاريع الزراعية لتنفيذ أفكار وممارسات صديقة للبيئة ويجب العمل على تجهيز مختبرات جديدة او تطوير مختبرات متوفرة لغايات الحد من انتشار الامراض الفطرية والبكتيرية والفيروسية واعتمادها للتدريب

كل ما سبق ينعكس ايجابا على  عوائد اقتصادية واجتماعية منها الحد من جيوب الفقر بزيادة وعي المعنيين في زيادة الدخل وإيجاد فرص عمل لتربية النحل وانتاج العسل وباقي المنتجات ،زيادة الدخل الوطني ورفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة ،توفير وفتح الأبواب التسويقية المحلية والعالمية ومساعدة المزارع في زيادة دخله ،يتوقع زيادة دخول المعنيين من ذوي الدخل المحدودة  نتيجة تحسين الإنتاجية كماً ونوعاً للمنتج النهائي

Tagged , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Fida'a Ali Al-Rawabdeh

المهندسة فداء علي أحمد روابدة من مواليد 1969 ، تدرجت في تعليمها العلمي حتى حصلت على البكالوريوس في الإنتاج النباتي والوقاية من الجامعة الأردنية في العام 1992 والدبلوم العالي في الحكومة الإلكترونية من الجامعة الأردنية في العام 2010. تبوأت خلال مسيرتها العملية عدة مناصب من أهمها منصبها الحالي كرئيس للمكتب الاقليمي لمنطقة المشرق العربي للمنظمة العربية للتنمية الزراعية منذ العام 2017، كما شغلت العديد من المناصب في وزارة الزراعة منها مستشار معالي وزير الرزاعة ،مستشار الامين العام ، مدير لمديرية الوقاية نمدير مديرية الوقاية وصحة النبات، مدير مشاريع متخصصة ، وقد نفذت العديد من المشاريع التي كان لها الأثر المباشر في تطوير قطاعات الإنتاج النباتي ووقاية النبات وقطاع النخيل

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.