تغير المناخ والخطاب الإسلامي و عهد جديد من الاستدامة

تشير الاتجاهات البيئية العالمية إلى أننا نواجه مخاطر نقاط التحول والتغيرات الدائمة في البيئة وفي قدرتها على دعم وتعزيز حياة الإنسان في كل أبعادها.  هذه الحالة من عدم التوازن والتلوث، و التي یشار إليها في الإسلام بإسم "فساد"  تعزى إلى أفعال الإنسان. هذا و يشكل تحويل المجتمع واقتصاد العالم نحو الاستدامة أكبر تحد للعالم في القرن ال21.

من الملهم تسخير المعارف والثقافة المحلية للإبلاغ عن الاستدامة. فالإسلام بوصفه عالمى الانتشار ومنهاج للحياة، يمكنه أن يقدم نظرة مستقبلية جديدة لعلاقة الإنسان بالبيئة داخل اقتصاد السوق المعولم. البيئة والتنمية المستدامة هما عبارة عن أرضية محايدة للحوار بين الثقافات في الشرق والغرب،  وذلك على اعتبار أن علم البيئة يقوم على "الاعتماد المتبادل" و "التعلم الاجتماعي".

نموذج التنمية الإسلامي

لا تحدد النظرة السائدة الإسلامية مقومات "حياة طيبة" فحسب، بل أيضا يمكنها أن ترشد وتبلغ و تصلح نموذج التنمية الحالي. ويستند النموذج الإسلامي للتنمية على العيش على الأرض برفق  (الزهد) للحد من بصماتنا البيئية. ويمكن أن تضيف النظرة الإسلامية الإيمان والروحانية ، كبعد رابع ، إلى نموذج الاستدامة (البيئة والمجتمع والاقتصاد).  يعطي الخطاب الإسلامي شعورا بالأمل والتفاؤل بإمكانية إعادة ضبط بوصلة الإنسان: هناك أمل، إذا تمكن الإنسان من إعادة التفكير وإعادة ضبط نماذج التنمية السائدة، وأساليب الحياة والعقليات كما جاء في القرآن الكريم:

 « ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » 

القرآن 30:41

و تتماشى ماهية الإسلام  بانسجام مع "الحالة الطبيعية" (الفطرة) واحترام التوازن (الميزان) واحترام النسبة (مقدار) في نظم الكون.  و يمكن لدمج هذه المفاهيم جميعها في نظام القيم الإسلامي أن يوفر البعد الأخلاقي للمسلمين في قضية تغير المناخ. و یترجم هذا إلى مصطلحات فنية لقياس تركيز الغازات في المناخ بأجزاء لكل مليون (جزء بالمليون). يدور النقاش بشأن المناخ حول الزيادة في تركيز أو نسبة غازات الاحتباس الحراري و التي يمكن قياسها بجزء بالمليون. نظرا لنموذج التنمية وأنماط استهلاك الإنسان، فإنا نشهد زيادة في تركيزات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 420 جزءًا بالمليون بالمقارنة مع مستويات ما قبل الثورة الصناعية و التي كانت تقدر ب 280 جزءًا بالمليون.

و بِالنّتِيجَة، التصدي لتغير المناخ، من منظور إسلامي ، هوعبارة عن افتراض دور الإنسان کوصي ومفوض (خليفة) ودوروسطية الأمة (أمة وسطا) في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وضمان الانسجام والتوازن والنسبة الصحيحة (الفطرة). اختلال هذا الميزان  يعزى إلى اختيارات الإنسان التي أدت إلى الإفراط في الاستهلاك، والاستغلال واستخدام للموارد. البعد الأخلاقي للإسلام هو في ربط النظرية بالممارسة من خلال تطور الوعي الجديد والتطور الروحي. وتجسید الإسلام بدوره يؤدي إلى نشاط بيئي ينقذ سلامة الكوكب من خلال حفظ الحياة على الأرض، واحترام حقوق الأنواع الأخرى، وحماية تنوع جميع مجتمعات الحياة.

المناظرات بشأن تغير المناخ في عام 2015

خلال الإعداد  للمناظرات العالمية بشأن تغير المناخ  في عام 2015، وافقت الأطراف في الاتفاقية على تحديد 2 درجة مئوية كحد أقصى لارتفاع مقبول لدرجة الحرارة عن مستوى ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية هذا القرن. وارتكز هذا القرارعلى حكم سياسي استنادا إلى معلومات علمية. هناك مخاطر كبيرة مرتبطة بأي مستوى من الاحترار و تدعو العديد من الأطراف إلى تثبيت هذه النسبة في أقل بكثير من2  درجة مئوية  بل تهدف إلى أن تكون أقرب إلى 1.5 درجة مئوية  قدر الإمكان.

العلم واضح في هذه المسألة ؛ لكون ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن غاز ثاني أكسيد الكربون استمر لعدة قرون، فإن أي حد أعلى بشأن ظاهرة الاحتباس يتطلب خفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في نهاية المطاف إلى الصفر. و بالنتيجة، فإن تجنب التغير المناخي  الخطير لايتطلب صقلا للنظم القائمة فحسب، بل تحولا اقتصاديا جذريا يقود إلى إزالة عميقة، وبعد ذلك بالكامل، للكربون من إمدادات الطاقة. و سيجلب هذا الانتقال عدة مزايا أخرى ويفتح آفاقا واسعة. وبالتالي سيتيح تلازما كاملا بين الضرورات الأخلاقية والاقتصادية.

و يهدف اجتماع باريس في عام 2015 إلى التعجيل بشكل كبير في هذا التحول والتأكد من استدامته على مر الزمن لضمان عدم تجاوز ارتفاع درجة الحرارة ب 2 درجة مئوية خلال هذا القرن. و ستيمخض عن ذلك الاجتماع، وضع صك قانوني جديد في إطار اتفاقية المناخ، والذي يعد بمثابة معاهدة دولية ذات عضوية عالمية، ليدخل حيز التنفيذ في عام 2020.

أهمية الإعلان الإسلامي بشأن تغير المناخ

للحفاظ على التحول الاقتصادي مع مرور الوقت، هناك حاجة إلى الدافع المعنوي القوي والعميق للتغيير. لذا فالدين يمكن أن يصبح جزءا مهما من الحل إذا استثمرنا هذا المصدر من مصادر التوجيه الإلهي من خلال الدراسة والتأمل وإذا كان هذا يدفعنا للتعامل بشكل مختلف. الإعلان الإسلامي بشأن تغير المناخ، و الذي أطلق في اسطنبول يوم ال19 أغسطس 2015، يعد بمثابة مثال بليغ يجسد دورالإيمان في الإبلاغ وإصلاح الحوار حول الاستدامة. وهذا من شأنه أن يجعل من الالتزام تجاه المناخ القائم على العقيدة ضرورة، بالنظر إلى أن 84٪ من سكان العالم منتسبون دينيا، وفقا لمركز بيو للأبحاث.

لقد كان الإسلام قوة دفع للحضارة عبر التاريخ. و يمكن للإعلان أن يساعد على توجيه القوة الروحية والأخلاقية للإسلام نحو التطلع إلى مستقبل مرن بمناخ ذي انبعاثات منخفضة.

وخلاصة القول، يقدر المعتنقون للديانة الإسلامية  ب 1.6 مليار نسمة. أكثرهم، وربما أغلبهم، يستوطنون البلدان التي هي الأكثر تأثرا بتغير المناخ. لهذا يمكن أن تسهم القيادة الإسلامية  في الخطاب العالمي كما تجلى ذلك بوضوح في الإعلان الإسلامي لتغير المناخ. لدى المسلمين تكليف ومسؤولية لتوجيه القوة الروحية والأخلاقية للإسلام نحو التطلع إلى بناء الحضارة البشرية المستدامة ومستقبل مرن  بمناخ منخفض الانبعاثات.

 

ترجمة

هند سلامة، حاصلة على شهادة الدكتوراة تخصص الكيمياءـ البيئة من كلية العلوم عين الشق جامعة الحسن الثاني ـ المغرب، عملت كمديرة مشاريع في عدة مؤسسات و أعمل حاليا كمستشارة مستقلة في مجال البيئة و التنمية المستدامة و مترجمة  ، هذا عدا عن مساهماتي في البرنامج التطوعي للأمم المتحدة  UNVو متطوعة أيضا مع EcoMENA

Tagged , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Odeh Rashed Al-Jayyousi

Odeh Al-Jayyousi is a professor in the Department of Technology and Innovation Management at Arabian Gulf University (Bahrain). He is also an independent consultant and a founder of Sustainable Development Professionals for Environmental Consulting (Jordan). He was the vice president for science and research at the Royal Scientific Society (RSS) in Jordan during 2011-2013. He was the regional director for IUCN – The International Union for Conservation of Nature - West Asia / Middle East regional office during 2004-2011. He was dean of research and professor in civil engineering during 1994-2004. Prof Al-Jayyousi is a founding board member Jordan Green Building Council, and a member of the Advisory Board for MSc program in IWRM between Cologne and Jordan University. He has also authored a popular book on “Islam and sustainable development”.

4 Responses to تغير المناخ والخطاب الإسلامي و عهد جديد من الاستدامة

  1. Pingback: التأمل والبيئة | EcoMENA

  2. Pingback: التكسير الهيدروليكي لطبقات التربة وآثارها | EcoMENA

  3. Pingback: آثار التغير المناخي على الصحة العامة

  4. Pingback: تغير المناخ بين التربية والتنمية – منار الإسلام

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.