التأثير البيئي لمعالجة مخلفات زيت الزيتون

olive-oil-wastesتعد زراعة الزيتون وإنتاج زيت الزيتون جزءاً من التراث المحلي والاقتصاد الريفي في كافة أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأكثر ما يشتهر به هذا المحصول هو استخدامه في الطبخ وفي الاستعمالات الطبية. في عام 2012، قدر إنتاج العالم من زيت الزيتون بنحو 2903.676 طن، وتعد إسبانيا وإيطاليا واليونان من أكبر منتجي زيت الزيتون في العالم، تليها في الترتيب تركيا وتونس ثم البرتغال والمغرب والجزائر. في الاتحاد الأوروبي وحده يوجد حوالي 2.5 مليون منتِج في قطاع الزيتون، يشكلون مجتمعين حوالي ثلث مزارعي الاتحاد الأوروبي.

توفر صناعة زيت الزيتون فرصًا قيمة للمزارعين من حيث التوظيف الموسمي بالإضافة إلى توفير فرص عمل مهمة خارج نطاق المزرارع مثل العمل في المطاحن وتصنيع المحاصيل المنتجة. وبالرغم من أن هذه الصناعة لها فوائد اقتصادية كبيرة فيما يتعلق بالأرباح والوظائف؛ إلا أن لها جانباً سلبياً وهو أنها تؤدي إلى ضرر وتدهور بيئي شديد.

الجانب الآخر

هناك نوعان من الأنظمة المستخدمة لاستخراج زيت الزيتون حالياً، النظام الاول على ثلاث مراحل والثاني على مرحلتين. يقوم كلا النظامين بتوليد كميات كبيرة من المنتجات الثانوية. ينتج من النظام الثلاثي المراحل نوعين من المنتجات الثانوية هما: (1) بقايا صلبة تعرف باسم كعكة الزيتون (OPC) و كميات كبيرة من السوائل المعروفة باسم النفايات السائلة لطحن الزيتون (OMW). هذا النظام ينتج عادة 20 ٪ من زيت الزيتون، و30 ٪ نفايات OP، و50 ٪ سوائل OMW،

نظام المرحلتين أكثر تعقيداً حيث يتم في هذا النظام تقليل حجم السوائل الناتجة عن طريق استخدام كمية أقل من المياه، ويبقى الكثير من هذه السوائل أوالمياه محتبسة مع المواد السامة داخل كعكة الزيتون الصلبة، وبذلك ينتج مخلفات شبه صلبة (SOR). وفي حين أن نظام المرحلتين ينتج كمية أقل من المخلفات  السائلة ، إلا أن  SOR التي ينتجها  تحتوي على المواد العضوية بتركيز عال  مما يؤدي إلى نسبة تلوث مرتفعة لا يمكن التعامل معها بسهولة من خلال التكنولوجيا التقليدية التي يتم استخدامها مع كعكة الزيتون الناتجة عن النظام ثلاثي المراحل.

وبغض النظر عن النظام المستخدم، فإن الفضلات السائلة الناتجة عن إنتاج زيت الزيتون تتميز بنسبة عالية من السمية النباتية والميكروبات، ويرجع ذلك إلى الفينولات وهي مركبات بلورية سامة وحارقة. من الممكن أن تؤدي هذه النفايات السائلة  إلى أضرار بيئية خطيرة ومقلقة مالم يتم التخلص منها بشكل صحيح. للأسف، لا توجد سياسة عامة للتخلص من هذه النفايات في المناطق المنتجة لزيت الزيتون حول العالم، مما يؤدي إلى عدم المقدرة على الرصد والمراقبة  وبالتالي تعذر توحيد تطبيق الأدلة  الإرشادية في هذه المناطق.

مخاوف بيئية

يتم إنتاج حوالي 30 مليون مترا مكعبا من المياه العادمة من معاصر الزيتون سنوياً في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وبما أنه ليس من الممكن التخلص من هذا النوع من المياه العادمة عن طريق أنظمة معالجة مياه الصرف العادية، لذا، فإن التخلص الآمن من هذه النفايات يشكل مصدر قلق بيئي خطير. إضافة الى ذلك – ولاحتوائها على مركبات معقدة – فإن النفايات المنتجة من الزيتون ليست قابلة للتحلل بسهولة وتحتاج إلى معالجة قبل استخدامها بشكل سليم في العمليات الزراعية والصناعية الأخرى.

يضعنا هذا الموضوع أمام مشكلة خطيرة عند التفكير بالمعالجة وإزالة السموم حيث أن جميع الحلول المتطورة  مكلفة للغاية بالنسبة للبلدان النامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس حيث يتم التخلص من النفايات الناتجة في الأنهار والبحيرات أو إعادة استخدامها في الري، مما يؤدي الى تلوث المياه الجوفية وإتخام البحيرات والأنهار والقنوات بالنفايات السائلة، وهذا بدوره يؤدي إلى تناقص أعداد النباتات المائية والأسماك وغيرها من الحيوانات بسبب النمو المفرط للطحالب. عند موت الطحالب وتحللها، فإن المستويات العالية من المواد العضوية والكائنات المتحللة تستنزف الأكسجين الموجود في المياه مما يؤدي إلى انخفاض أعداد الأحياء المائية.

هناك تكتيك مختلف ولكنه شائع للتخلص من مخلفات معاصر الزيتون ألا وهو جمعها والاحتفاظ بها في أحواض أو برك كبيرة حيث يتم تبخيرها وتجفيفها إلى مكون شبه صلب. وفي البلدان الأقل تطورا،  يتم التخلص من المخلفات الصلبة والسائلة ثم تفريغها في التربة حيث يتم نشرها على الأراضي المحيطة ومع مرور الوقت تتراكم هذه المركبات السامة في التربة، وتتغلغل بها، وتنتقل مع مياه الأمطار والسيول إلى المناطق المجاورة الأخرى، مما يؤدي الى نتائج خطرة. وحيث أن هذه النفايات السائلة لا يتم معالجتها بشكل تام، فإنها تؤدي إلى تدهور الأراضي وتلوث التربة والمياه الجوفية.

فعلياً إن اختلاط كمية صغيرة من المخلفات السائلة لمعاصر الزيتون مع المياه الجوفية يستطيع إحداث تلوث كبير لمصادر مياه الشرب. وتعد المشكلة أكثر خطورة اذا تم استخدام الكلور لتطهير مياه الشرب، حيث يتفاعل الكلور مع الفينول مشكلاً الكلوروفينول الذي يعتبر أشد خطورة على صحة الإنسان من الفينول وحده.

العلاجات الحالية

المشاكل المرتبطة بمعالجة نفايات الزيتون على نطاق واسع على مدار الخمسين سنة الماضية، لسوء الحظ، لم تتمكن الأبحاث من اكتشاف حل مجدٍ تقنياً  ومقبول اقتصاديًا واجتماعيا للتخلص من مخلفات الزيتون. من أكثر الحلول شيوعًا لغاية الآن هي استراتيجيات إزالة السموم، وتعديل نظام الإنتاج، وإعادة تدوير المكونات ذات القيمة العالية، حيث اكتسبت تلك الحلول شعبية على مدى العقد الماضي لقدرتها على خفض التلوث وتحويل النفايات الى منتجات قيِمة. ومن الأمثلة على إعادة استخدام مخلفات الزيتون هو معالجتها واستخدامها لمكافحة الحشائش الضارة،  كبديل للمواد الكيميائية الضارة.

An olive oil mill in Jordan

كما تم إجراء بحث على استخدام المخلفات شبه الصلبة الناتجة من زيت الزيتون لامتصاص بقع النفط الخطرة المتسربة. أخيراً، ومن الجانب الصحي: فإن الدراسات تشير إلى أن احتواء مخلفات الزيتون على كميات كبيرة من المركبات الفينولية والتي تحتوي معدلات عالية من مضادات الأكسدة، فإن هذه النفايات قد تكون مصدراً مناسباً لمضادات الأكسدة الطبيعية.

وعلى الرغم من كل هذا، فإن تلك التقنيات منفردة لن تحل مشكلة التخلص من مخلفات الزيتون بشكل كامل وشامل.

في الوضع السائد لتقنيات معالجة مخلفات معاصر الزيتون، فإن الصناعات لم تبد اهتماما ملحوظا لدعم أي عملية تقليدية (فيزيائية أو كيميائية أو حرارية أو بيولوجية) على نطاق واسع. ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف الاستثمار والتشغيل، وقصر فترة الإنتاج المتراوحة بين 3 إلى 5 أشهر فقط  بالإضافة الى صغر حجم معاصر الزيتون.

بشكل عام، فإن المشاكل المرتبطة بمعالجة مخلفات الزيتون تتجلى بعدم وجود سياسة مشتركة بين المناطق المنتجة لزيت الزيتون وضعف التمويل والبنية التحتية للمعالجة والتخلص السليمين من النفايات، وإضافة إلى النقص العام في المعرفة بالآثار البيئية والصحية الناجمة عن معالجة مخالفة الزيتون. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم فيما يتعلق بأساليب العلاج وإزالة السموم من هذه المخلفات، إلا أن المجال لا يزال مفتوحا لمزيد من البحث. ونظراً لشدة التأثير البيئي لمعالجة مخلفات الزيتون، فإنه يتوجب على واضعي السياسات وأصحاب الصناعات اتخاذ مبادرات أكثر واقعية لتطوير إطار مستدام للحد من مشاكل التخلص من مخلفات معاصر زيت الزيتون.

ترجمه – ماجدة هلسة

أردنية متعددة الاهتمامات، لديها من الخبرة ما يقارب العشرون عاماً في مجالي المالية والإدارة في المؤسسات المحلية والدوليةوتعملماجدة حالياً مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي كموظفةٍ ماليةٍ في برنامج البيئة و المناخ في الأردن، والذي يعمل لصالح وزارة البيئة في الأردن. ومع ذلك كله وعلى الصعيد التطوعي، فإن لديها شغفاً كبيراً بالترجمة في كافة المواضيع والمجالات، وقد بُني هذا الشغف بالخبرة الشخصية والعملية على مر السنين.

Tagged , , , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Catherine Hansen

Catherine Hansen is a returned Peace Corps volunteer and graduate from West Virginia University, where she studied for her Masters in Sustainable Development. She recently returned from a 27-month service in Morocco where she was serving as a Youth Development volunteer designing literacy, health, and environmental programming for youth in collaboration with local associations and volunteers. One of her main life goals is to share her passion for protecting the environment from human harm by bringing awareness to environmental issues that are often times over looked. Through outreach and education, Catherine hopes to inspire a refreshed appreciation for our natural world. She aims to begin her career in environmental services within the year.

One Response to التأثير البيئي لمعالجة مخلفات زيت الزيتون

  1. Pingback: نظرة على مشاكل تونس البيئية | EcoMENA

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.