تدهور الأراضي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تعاني حوالي 15% من إجمالي الأراضي من التدهور على الصعيد العالمي، وتقترب هذه النسبة من 50% في منطقة الشرق الأوسط وشمالي افريقيا، وعلى العموم، فإن فقدان الإنتاجية الفيزيائية والبيولوجية والاقتصادية للأراضي هي نتيجة لعوامل بشرية بالإضافة للتصحر، حيث يصيب المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وكذلك شبه الرطبة تحديداً.

يمثل تدهور الأراضي أزمة عالمية تتفاقم وتُقوّض الأمن الغذائي والتنوع البيولوجي والنظام البيئي، ويؤثر التدهور الناتج عن إزالة الغابات والزراعة غير المستدامة والرعي الجائر بالإضافة إلى تغير المناخ على أكثر من 3.2 مليار شخص حول العالم، وتتفاقم هذه المشكلة في المناطق ذات البيئات الضعيفة وموارد المياه المحدودة على وجه الخصوص، وهي ظروف تتميز بها معظم مناطق الشرق الأوسط.

land degradation in MENA

تشهد غالبية المنطقة مناخاً جافاً وشبه جاف، يتميز بقلة الهطول وارتفاع معدلات التبخر والجفاف المتكرر. جميع هذه العوامل القاسية تُضعف النظام البيئي الطبيعي وتجعله هشاً وحساساً لأي نوع من التغيرات. وبالرغم من أن النظم البيئية المتنوعة في المنطقة تدعم تنوعاً بيولوجياً فريداً من نباتات الصحراء وصولاً لغابات البحر المتوسط يجعلها تتكيف مع البيئات القاسية وبعيداً عن الاستخدام البشري إلا أن التوازن البيئي في مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا لا يزال مهدداً.

أسباب تدهور الأراضي

من بين أهم الأسباب لتدهور الأراضي هي الضغوط المناخية، والممارسات الزراعية غير المستدامة، والتوسع الحضري السريع بالإضافة إلى الحروب والصراعات.

الضغوط المناخية

من ضمن عوامل الضغط المناخي، تُعدُّ ندرة الماء من أبرز مظاهرها، حيث يتعرض ما يقارب 83% من سكان الشرق الأوسط لضغط مائي شديد، ومن بين أكثر دول العالم معاناةً من شُح المياه: البحرين وقبرص والكويت ولبنان وعُمان وقطر، وجميع هذه الدول من هذه المنطقة. ويتزايد الوضع سوءاً بسبب تغير المناخ، حيث تزداد فترات الجفاف الطويلة تواتراً وشِدةً كما هو الحال في إيران وسوريا والعراق.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الهطول إلى تسريع عملية التصحر مما يؤدي إلى تقليل إنتاجية الأراضي ويزيد من خطر العواصف الغبارية وتآكل التربة، جميع هذه التغيرات تضعف مرونة الأنظمة البيئية والزراعية مما يُدخل المجتمعات في دوامة من التدهور البيئي.

الممارسات الزراعية

تزيد الممارسات الزراعية غير المستدامة من نسبة تدهور الأراضي، فمع أقل من 5% من الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة، تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المناطق الأكثر عرضة لتآكل التربة والملوحة والتصحر. وبالرغم من ذلك، تُعدّ هذه الأراضي ضرورية لتلبية ما يتطلبه الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي في المنطقة، وتشكل الثروة الحيوانية عنصراً أساسياً في كليهما، لكن نقص الاعلاف اللازمة للماشية أدى إلى الرعي الجائر وهذا عامل رئيسي أيضاُ في تدهور أراضي المنطقة، لأنه يزيل الغطاء النباتي، مؤدياً بذلك لتزايد تآكل التربة بفعل المياه والرياح. وكذلك فإن سوء إدارة المياه يؤدي إلى الملوحة لأن الاملاح تتراكم في التربة مما يقلل من خصوبتها.

ومن المظاهر الأُخرى أيضاُ، إضافة للرعي الجائر، الإفراط في استخدام المواد الكيميائية للزراعة. مما يؤثر على صحة التربة البيولوجية، وزيادة ملوحتها ونسبة الحموضة فيها مما يقلل من إنتاجية الأراضي.

التوسع الحضري

يؤدي التوسع الحضري والصناعي خسائر فادحة، حيث ارتفع عدد السكان في المناطق الحضرية في هذه المنطقة من 46% سنة 1975 إلى 66% عام 2023، ومع نمو المدن فإن الأراضي الزراعية تُعبّد أو يُعاد استخدامها للبناء، وهذا يؤدي الى تصلب التربة وفقدان إنتاجية الأراضي بشكل دائم.

وتُعدّ صناعات التعدين، كالذهب والفضة والنحاس والجبس والرخام، نشاطًا اقتصاديًا إقليميًا هامًا، ولدى دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خططٌ لتوسيع هذا القطاع. وبالإضافة إلى ذلك، تُؤثر الأنشطة الصناعية الأخرى، بما في ذلك تلك المتعلقة باستخراج النفط والغاز بشكل سلبي على التربة، وتُولّد النفايات، وتُطلق الملوثات، مما يُفاقم من تدهور النظم البيئية.

الحروب والصراعات

يُعدّ الصراع والنزوح من العوامل الرئيسية التي تُفاقم التدهور في المنطقة. تشهد سوريا والعراق وليبيا واليمن حروبًا أهلية، مما أدى إلى نزوح نحو 15 مليون شخص قاموا باللجوء إلى دول مجاورة تعاني ضائقة اقتصادية مثل الأردن، ولبنان، وجيبوتي، وتونس. تُلحق الحروب والاضطرابات الأهلية أضرارًا بالبنية التحتية، مثل أنظمة الري وشبكات المياه مما يجعل الأراضي الزراعية غير صالحة للاستخدام

يُجبر النزوح واسع النطاق الناس على العيش في بيئات ضعيفة، حيث يعتمدون بشكل كبير على الموارد الطبيعية المحدودة للبقاء على قيد الحياة، مما يُسرّع منتدهور الأراضي نتيجة الإفراط في استخدامها وإزالة الغابات. في الوقت نفسه، تتدهور الأراضي الزراعية المهجورة بسرعة دون رعاية مناسبة

الاضطرابات السياسية

يتجلى عدم الاستقرار السياسي بشكل واضح في دول مثل سوريا والعراق واليمن وحالياً فلسطين، حيث كانت وبعضها لا يزال مناطق صراع، وأدى ذلك إلى غياب السياسات المعنية مما ساهم في تدهور الأراضي وانقطاع التعاون الإقليمي في مجال استصلاح الأراضي مما فاقم الوضع فيها. ولدينا لبنان مثلاً، فإنه يعاني من فراغ سياسي وأزمة اقتصادية حادة منذ العام 2019، مما يفاقم الوضع بسبب ضعف الحوكمة البيئية وتطبيق القوانين البيئية.

وتشكل هذه العوامل تحدياً متعدد الأوجه ويستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة لوقف أي انهيار بيئي على المدى الطويل.

عواقب تدهور الأراضي

الأمن الغذائي والمائي

مع تناقص خصوبة الأراضي نتيجة لعوامل التعرية والملوحة والتصحر فإن الأمن الغذائي والمائي يُعدُّ الان من أكثر الأمور المستعجلة حالياً، لأن الإنتاجية الزراعية تتجه للانخفاض مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل وتصبح المراعي غير قادرة على استيعاب الثروة الحيوانية، مما يهدد حياة ملايين البشر الذين يعتمدون على الزراعة والري في تأمين سبل عيشهم. وفي ذات الوقت، تتفاقم مشكلة ندرة المياه لأن الأراضي المتدهورة تحتفظ برطوبة أقل وكذلك فإن أنظمة الري المتضررة – بسبب الافراط في الاستخدام أو هدر المياه بفعل النزاعات – تقلل بالفعل من إمدادات المياه وبالتالي تقلص القدرة على إنتاج الغذاء وتزيد الاعتماد على الواردات الغذائية.

التداعيات الاقتصادية

من المعلوم للجميع أن التكاليف الاقتصادية باهظة – خصوصاً للمجتمعات الريفية – حيث يُقوّض تدهور الأراضي سُبل الحياة التقليدية، وهذا يؤدي إلى انخفاض الدخل وارتفاع أسعار الغذاء وبالتالي عدم الاستقرار الاقتصادي. وحيث أن الإنتاج الغذائي المحلي في حالة تراجع، تُجبر الحكومات إلى زيادة الواردات، مما يُرهق الميزانيات المحلية في المناطق التي تتخذ من الزراعة أساساً للاقتصاد لذا فإن الفقر يتفاقم ويتزايد وبهذا تقل الفرص الاقتصادية المحلية.

فقدان التنوع البيولوجي

يُعدّ فقدان التنوع البيولوجي من أهم العواقب الرئيسية الأخرى، فمع إزالة الموائل الطبيعية أو تدهورها، تواجه الأنواع النباتية والحيوانية ضغطًا متزايدًا. ولم يعد بإمكان النظم البيئية المقسمة استيعاب الأنواع المحلية، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادها وحتى انقراضها. ولا يقتصر الضرر بفقدان التنوع البيولوجي فحسب على البيئة، بل أنه يقلل من خدمات النظم البيئية مثل التلقيح وخصوبة التربة كذلك.

النزوح البشري

من الملاحظ مؤخراً بأن النزوح البشري يتزايد والضغوط الاجتماعية كذلك مع تدهور الأراضي وذلك لعدم قدرتها على إعالة السكان كالسابق، لذا فإن العائلات تهاجر – بالأغلب الى المناطق الأكثر تحضراً – مما يزيد الضغط على البنى التحتية والخدمات المنهكة بالأصل. يمكن لهذه الحركة أن تزيد النزاعات على الأراضي، وتزيد من حدة التوتر الاجتماعي أيضاً وحتى تفاقم خطر الصراعات. في بعض الأماكن الريفية يساهم انهيار أساليب الحياة التقليدية في زيادة الفقر والبطالة وفقدان الهوية الثقافية. بالمُجمل فإن آثار تدهور الأراضي مرتبطة برفاهية الانسان مما يهدد التوازن البيئي.

desertification in mena

الاستجابة الإقليمية لتدهور الأراضي

هنالك العديد من المبادرات الهامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تهتم بمعالجة تدهور الأراضي وتعزيز الاستصلاح، وهذه المبادرات والجهود تمتد على مستويات: وطنية، وإقليمية، ودولية.

في إطار رؤيا المملكة العربية السعودية 2030 يعد التشجير أحد أهم الأهداف الثلاثة للدولة، حيث تنوي زراعة 10 مليارات شجرة في العقود القادمة، وقد تم بالفعل زراعة أكثر من 100 مليون شجرة وشجيرة منذ عام 2021.

يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتنفيذ مشاريع استعادة الأراضي في العديد من الدول العربية مثل لبنان والعراق والصومال واليمن وسوريا بتمويل من العديد من الحكومات والوكالات الدولية.

يقوم لبنان حالياً بتحديث الاستراتيجية الوطنية للحد من خطر حرائق الغابات بما في ذلك التخطيط للترميم والتعافي بعد الحرائق المدمرة عام 2019.

من ضمن المبادرات الإقليمية المهمة فإن مبادرة الشرق الأوسط الخضراء ((MGI، تعد من أهمها، حيث أطلقت عام 2021، بدعم من 20 دولة وتهدف الى زراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء المنطقة، أي ما يعادل 200 مليون هكتاراً من الأراضي المتدهورة وإعادة تأهيلها. تتوافق هذه المبادرة مع الأطر العالمية، مثل عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم الايكولوجية والمبادرة العالمية لمجموعة العشرين للحد من تدهور الأراضي وتعزيز الموائل البرية، وتركز هذه المبادرة على اتخاذ القرارات المبنية على العلم والتعاون الإقليمي.

وتعتبر الدورة السادسة عشر لمؤتمر الأطراف (COP 16) المرتبطة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) والتي عقدت في الرياض بالمملكة العربية السعودية خلال كانون أول 2025 بمثابة معلم أساسي في خطة استعادة الأراضي في المنطقة.

التحديات والمُضي قُدماً

تواجه مكافحة تدهور الأراضي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تحديات مستمرة، فالقيود المؤسسية – بما في ذلك ضعف الحوكمة البيئية والسياسات المجزئة وضعف إنفاذها – تعيق وتحد من الإدارة الفاعلة للأراضي، وكذلك فإن فجوات التمويل تعيق التقدم، حيث تكافح العديد من الدول لتمويل مبادرات إعادة التأهيل والاستدامة طويلة الأجل. وكذلك يؤدي عدم الاستقرار السياسي والصراعات في أجزاء عديدة من المنطقة إلى توقف التخطيط، وإتلاف البنية التحتية وتهجير المجتمعات مما يجعل الإدارة المستدامة للأراضي شبه مستحيلة.

وللمضي قُدماً، فأنه من الواجب على الدول تبني نهج متكاملة لإدارة الأراضي توافق بين حماية البيئة والسياسات الزراعية والحضرية والمائية على حدٍ سواء. ويجب أن تكوه هذه النهج والاستراتيجيات قادرة على الصمود ومواجهة تغير المناخ، وأن تعالج التدهور الحالي والمخاطر المتوقعة مستقبلاً والتي ستنجم عن ارتفاع درجات الحرارة والطقس المتطرف. ويتضمن ذلك الاستثمار في الزراعة المستدامة والتقنيات الموفرة للمياه واستعادة النظم البيئية.

بالإضافة لذلك فإن النجاح يعتمد أيضاُ على دمج استعادة الأراضي ضمن أهداف التنمية المستدامة، وأن يدعم الجهود المبذولة للنمو الاقتصادي والمساواة الاجتماعية والصحة البيئية.

وأخيراً، يعد تعزيز التعاون عبر الحدود أمراً بالغ الأهمية، حيث إن التدهور يمتد عبر حدود الدول، ويمكن لهذا التعاون – مثل أنظمة الرصد وتبادل المعرفة وغيرها من المشاريع المشتركة – أن يزيد ويعزز الأثر.

إن هذه الاستجابة الإقليمية الموحدة بدعم من الشركاء الدوليين، ضرورية لبناء القدرة على مواجهة تدهور الأراضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل دائم.

ترجمة: ماجدة هلسه

أردنية متعددة الإهتمامات، لديها من الخبرة ما يقارب السبعة وعشرون عاماً في مجال المالية والإدارة في المؤسسات المحلية والدولية، وتعمل ماجدة حالياً مع التعاون الدولي الالماني كموظفة مالية. ومع ذلك كله وعلى الصعيد التطوعي، فإن لديها شغفاً كبيراً بالترجمة في كافة المواضيع والمجالات، وقد بُني هذا الشغف بالخبرة الشخصية والعملية على مدى هذه السنين.

Note: The original English version of the article is available at this link.

Tagged , , , , , . Bookmark the permalink.

About Pratima Pandey

Pratima Pandey is a Sustainability Consultant with a varied academic background and professional experience comprising the overlapping domain of Economics, Agriculture and Environment. She has worked in Consultancy projects for international organisations like World Bank and UNCCD. Her specific areas of interest are waste management, sustainable land management, green hydrogen, renewable energy and climate change mitigation.

One Response to تدهور الأراضي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

  1. Watuwa David Watsenya says:

    We’re interested in working with you on the eco

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.