البصمة البيئية لقطر

لا يزال الأثر البيئي لقطر مصدرا للقلق. وفقا ل“تقرير الكوكب الحي” 2014 الذي أعده الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، فإن معدل البصمة البيئية للفرد في قطر هو الآن ثاني أعلى المعدلات في العالم، شأنها شأن دول خلجية أخرى، و تفوقت الكويت، لتصبح أسوأ “الجناة” من بين  ال 152 دولة التي تم قياس بصمتها البيئية. وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الثالث في القائمة، أما المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، فتحتل المركز ال33. و بمقارنة البصمة الإجمالية مع القدرة البيولوجية للكوكب – قدرته على توليد إمدادات مستمرة من الموارد المتجددة واستيعاب النفايات – فقد خلص التقرير، استنادا إلى بيانات عام 2010،  إلى أن متوسط البصمة البشرية للفرد يتجاوز قدرة الكوكب بمقدار 1.5. هذا وتتجاوز البصمة البيئية في معظم بلدان” منطقة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا“، القدرة البيولوجية من حيث ترتيبها عالميا.

یبلغ معدل البصمة البيئية لقطر، والذي يعبَّر عنه بوحدة الهكتارات العالمية (global hectares/gha) ، 8.5 ثاني أعلى معدل في العالم، غير أنه یظل أقل من المعدل 11.6 المسجل في تقرير عام 2012. فقط وحدها الكويت التي سجلت أسوأ النتائج، ببصمة بلغت قيمتها 10gha . ووفقا لتقرير WWF، فإنه إذا كان لكل الناس على هذا الكوكب بصمة مقيم عادي في قطر، فإننا سنكون في حاجة إلى 4.8 كوكبا. في حين أنه إذا كنا نعيش نمط حياة مقيم نموذجي بالولايات المتحدة الأمريكية، فإننا سنكون في حاجة إلى 3.9 كوكبا. أما إذا كنا نعيش نمط حياة مقيم نموذجي بجنوب أفريقيا أو الأرجنتين فحاجتنا ستكون إلى 1.4 أو 1.5 كوكبا على التوالي. لقد كان متوسط البصمة في العالم للفرد الواحد يساوي  2.6 هكتار عالمي ، إلا أن متوسط القدرة البيولوجية العالمية للشخص الواحد كان 1.7 هكتار عالمي في عام 2010. وهذا يعتمد على القدرة البيولوجية الإجمالية للأرض التي تقدر بحوالي 12 مليار هكتار عالمي، و التي تدعم بها جميع البشر و حوالي 10 مليون أو أكثر من الأنواع البرية.

ويعزي سلمان ظفر، مؤسس EcoMENA  ، وهي منظمة طوعية تعمل على تعزيز التنمية المستدامة في العالم العربي،  الوضع القطري إلى نقص في الوعي البيئي بين السكان المحليين، وأنماط الحياة المترفة والاعتماد القوي على الوقود الأحفوري. ” لقد شكل التدفق الهائل للعمال من مختلف أنحاء العالم ضغطا كبيرا على الموارد الطبيعية المجهدة أصلا. و يضيف السيد سلمان بأن العمال المهاجرين، و الذين يشكلون جزءا كبيرا من السكان، يقيمون في البلاد لفترة محدودة من الوقت وبالتالي لا يكونون متحمسين بما فيه الكفاية للحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية البيئة “. أما بالنسبة للكويت، وبحسب الخبير دائما ، فيمكن أن يعزى ارتفاع معدل البصمة البيئية إلى ازدهار صناعة  النفط والغاز بها، الزيادة في محطات تحلية المياه، وجود المئات من مدافن القمامة، الاستخدام المفرط للمياه والطاقة والسلع، وجود عدد ضخم من السكان المغتربين وغياب مبادرات ملموسة للحفاظ على البيئة.

معظم ال25 دولة التي  سُجِّلَ  بها أعلى قيم البصمة البيئية للفرد، كانت من الدول ذات الدخل المرتفع. و تقريبا في كل هذه الدول ، كان الكربون بمثابة العنصر الغالب في البصمة ، في حالة  قطر 70٪ . إذ بحسب تقرير WWF – في عام  1961، كان الكربون  وتحديدا  حرق الوقود الأحفوري، بمثابة العنصر المهيمن في البصمة  البشرية لأكثر من نصف قرن ، إذ كان يمثل 36٪ من من إجمالي البصمة ، ولكن بحلول عام 2010  ارتفعت هذه النسبة إلى 53 ٪. و في عام 2013، بلغ تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي فوق ماونا لوا في هاواي – موقع  أقدم محطة للقياس المستمر لثاني أكسيد الكربون في العالم – 400 جزءا في المليون لأول مرة منذ بدء القياسات في عام 1958. هذه  النسبة هي أعلى مما كانت عليه منذ أكثر من مليون سنة، هذا ويظهر علم المناخ المخاطر الرئيسية لتغيرغير مقبول في مثل هذه التركيزات. وعلاوة على ذلك ، فقد صنف عالميا عام 2014 العام الأكثر سخونة  منذ بدء القياسات، وتتوقع منظمة العالمية للأرصاد الجوية استمرار تصاعد  درجات الحرارة.

و قد جاء في التقرير أيضا أن عدد السكان في العالم  يزيد اليوم على 7.2 مليارا، وينمو بمعدل أسرع من التقديرات السابقة. ومن شأن التأثير المزدوج لتزايد عدد السكان وارتفاع معدل البصمة للفرد أن يضاعف الضغط البشري  على الموارد البيئية. كون الزراعة  تمثل 92٪ من بصمة المياه العالمية، فإن الاحتياجات المتزايدة  للإنسان من المياه، مع وجود  تهديدات تغير المناخ، من شأنها أن تفاقم ندرة المياه. هذا ويوضح المؤلفون أيضا على أن ، و على  المدى البعيد، لا يمكن  أن يؤخذ الماء على نحو مستدام من البحيرات وخزانات المياه الجوفية بمعدل يفوق قدرة تغذيتها. هذا وينتج عن تحلية مياه البحر إنتاج محلول ملحي (مع وجود تركيز عال جدا من الملح وأثار المواد الكيميائية  والمعادن)، و الذي يشكل تفريغه في البحر خطرا يهدد الحياة البحرية. من حيث التنوع البيولوجي، يبين التقرير انخفاضا عاما یقدر ب 52 ٪ ما بين عامي 1970 و 2010. إلا أن سرعة انخفاض العدد كانت كبيرة  بالنسبة لأنواع المياه العذبة (76 في المئة) بالمقارنة مع  أنواع المياه البحرية والبرية ( 39 ٪لكليهما).

فيما يتعلق بالقدرة البيولوجية لقطر،  تشكل مناطق الصيد 92٪ من المجموع، في حين أن البلاد تصنف في المرتبة 66 عالميا من حيث القدرة البيولوجية للفرد.على غرار دول الخليج الأخرى، فيمكن لقطر أن تتعامل مع العجز البيئي عن طريق استيراد المنتجات، وبالتالي استخدام الطاقة البيولوجية لدول أخرى؛ و/ أو باستخدام المشاعات العالمية، على سبيل المثال، عن طريق الإفراج عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من حرق الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي، يقول التقرير.

على الرغم من أن قطر  بدأت خططا لخفض قيمة بصمتها والعيش بصورة مستدامة نسبيا ، إلا أن آخرأرقام الشركة العامة القطرية للمياه للكهرباء (كهرماء) بخصوص الطلب على الكهرباء تظهر ارتفاعا بنسبة 12٪ عن العام السابق. مع أن هذا الارتفاع يتماشى مع النمو السكاني في البلاد، إلا أنه يعني أيضا أنه لم يكن هناك أي تخفيض في استهلاك الفرد من الكهرباء، و الذي يأتي في التصنيف بعد ال15 دولة الأولى في العالم. معدل استهلاك الماء للفرد لايزال هو أيضا واحدا من أعلى المعدلات في العالم.

الاعتماد الكبير لقطر على النفط والغاز، و سياسة الدعم في قطاع الماء و الكهرباء ، والكمية الهائلة من الطاقة اللازمة لتحلية المياه وتكييف الهواء ، كلها عومل تجعل من غير المرجح تحسن مكانة الفرد في البلاد من حيث البصمة البيئية  في وقت قريب، ولكن نظرا لصغر حجم البلاد فإن تأثيرها الكلي لا يزال صغيرا نسبيا.

ويعتبر سلمان شعبان من شركة إعادة تدوير المعادن  سبائك لاكي ستار التقرير فقط بمثابة تسليط للضوء على التطور السريع الحالي في قطر. ” إذ ليس من العدل أن نستخلص أي استنتاجات في هذه المرحلة حيث هناك بناء، ونظام نقل وطفرة سكانية. أي مكان سيمر من خلال مثل هذا التطور السريع لابد أن يكون له في البداية تأثيرا على النظم الإ يكولوجية. و يضيف أيضا “يتوقع انخفاض تدريجي لبصمة الكربون بمجرد الانتهاء من مرحلة البناء والتنمية.”ومع ذلك، فإنه تبقى لكل مقيم ومواطن  المسؤولية الأخلاقية في الحفاظ على الطاقة وحماية البيئة “،.و “يجب أن يكون إعادة التدوير جزءا أساسيا من  ثقافة كل أسرة”.

ووفقا لسلمان ظفر، توفير التعليم البيئي للمستوى الأساسي، رفع الدعم عن قطاع الماء والطاقة، وممارسات الإدارة المستدامة للنفايات، القوانين الفعالة، ومشاركة أصحاب المصلحة الإلزامية هي بعض من التدابير التي قد تؤدي إلى تحسين السيناريو البيئي في دولة قطر.

على الرغم من أن التقرير يثيرالقلق للبعض، إلا  أنه يوضح أن العديد من الأفراد والمجتمعات والشركات والمدن والحكومات تنتهج أفضل الخيارات لحماية رأس المال الطبيعي وتقليل البصمة الخاصة بهم، مع الفوائد البيئية والاجتماعية والاقتصادية. ولكن بالنظر إلى أن هذه التقارير الشاملة تستند إلى بيانات قديمة بأربع سنوات ، فإن التغييرات الحالية ، سواء للأفضل أوالأسوأ سوف تتضح في المستقبل القريب

ترجمة

هند سلامة، حاصلة على شهادة الدكتوراة تخصص الكيمياءـ البيئة من كلية العلوم عين الشق جامعة الحسن الثاني ـ المغرب، عملت كمديرة مشاريع في عدة مؤسسات و أعمل حاليا كمستشارة مستقلة في مجال البيئة و التنمية المستدامة و مترجمة  ، هذا عدا عن مساهماتي في البرنامج التطوعي للأمم المتحدة  UNVو متطوعة أيضا مع EcoMENA

Tagged , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Sybrandus Adema

Sybrandus Adema is a freelance journalist based in South Africa, where he now lives in a small village, trying to live more sustainably. He has worked in various other countries, including the Netherlands, UK and Qatar, producing articles for a variety of newspapers, magazines and online publications. In South Africa he was also the production editor of the largest daily newspaper, Daily Sun.

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.