تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من الكنوز الخفية، مثل أشجار القرم. تكمن وظيفتها في عزل الكربون (carbon sequestration) وليس إنتاج الأكسجين. يُطلق على نوع أشجار القرم الموجود في الإمارات اسم “القرم الرمادي” (Avicennia marina)، وغالبًا ما يوجد في منطقة الخليج. وقد اختارت هذا الموقع تحديدًا بسبب مياهه المالحة وشبه الاستوائية ألضحله. خلال العقدين الماضيين، واجهت أشجار القرم تهديدات هائلة مع تزايد التطور الساحلي السريع في الإمارات (حسيبة، 2025).
إشكالية الهشاشة
إحدى التهديدات الرئيسية التي تواجه أشجار القرم في الإمارات هو تطوير الجزائر الاصطناعية. لإنشاء جزيرة اصطناعية، يتم استصلاح الأراضي عن طريق التجريف. يتم التجريف عن طريق الحفر العميق للمناطق المستهدفة، مما يزيل الرواسب المختلفة ويخلق طبقة أكثر سمكًا من الأراضي القابلة للسكن. هذه العملية يمكن أن تقتل بذور القرم الصغيرة. تتكسر جذور أشجار القرم وتتراكم على سطح الماء، مما يمنع ضوء الشمس من الوصول إلى الأنواع البحرية المختلفة تحت الماء في الأعماق (سوسيولوجي وآخرون، 2019).
أثيرت المخاوف بشأن النظم البيئية لأشجار القرم في الإمارات بسبب مشروعات التطوير الساحلية في جزيرة السعديات وجزيرة اللؤلؤ، وكلتاهما تقعان في أبوظبي. وكان هذا سببًا معقولًا للقلق، حيث يمكن أن يؤدي استصلاح الأراضي إلى تغيير تدفقات المد والجزر ونقل الرواسب، وهما أمران حيويان لصحة أشجار القرم.
في الوقت الحالي، هناك مراقبة محدودة لأشجار القرم، حيث تزدهر الإمارات بشكل رئيس اعتمادًا على صناعات معينة مثل العقارات والنفط والتجارة. ومع التمويل المحدود، يقل احتمال قيام العلماء بإجراء أبحاث حول مواضيع بيئية ذات تأثير ضئيل. كما يساهم نقص الوعي في قلة “العلم المدني” (citizen science) الذي يضطلع به الأفراد.
كيف تعيقنا الأساليب الحالية لاستعادة أشجار القرم؟
في الإمارات، غالبًا ما تصبح التربة الساحلية المتأثرة بأعمال البناء أو التلوث متراصة (مضغوطة)، مما يمنع المياه من التسرب إلى داخل الأرض. يؤدي هذا النقص في تسرب المياه إلى تعطيل الظروف المشبعة بالمياه التي تحتاجها أشجار القرم للنمو والازدهار. كما تتم إزالة العناصر الغذائية بسبب ذلك، مما يجعل من الصعب حدوث التجدد الطبيعي.
تُعرف الإمارات بأخذها مسألة استعادة أشجار القرم على محمل الجد. ومع ذلك، فإن زراعة البذور لا تؤدي دائمًا إلى النجاح، خاصة عند اختيار المواقع دون دراسة كاملة لظروف النمو الضرورية. حتى لو تم استيفاء معظم المعايير، فإن فقدان عامل أو عاملين رئيسين فقط – مثل تدفق المد والجزر أو ملوحة التربة – يمكن أن يؤثر بشكل كبير على بقاء أشجار القرم، نظرًا لأن هذه الأشجار شديدة الحساسية للتغيرات البيئية.
على سبيل المثال، في مشروع تجريبي عام 2023 بالقرب من منطقة الظفرة، تمت زراعة آلاف شتلات القرم في منطقة ساحلية تفتقر إلى الفيضانات المدية المتسقة. مع أنّ التفاؤل الأولي، انخفض معدل البقاء حيٌّ يُرزَق بشكل حاد في غضون أشهر، مما يسلط الضوء على كيف يمكن أن يؤدي سوء اختيار الموقع إلى إهدار الموارد وتثبيط الجهود المستقبلية.
يوضح الشكل 2 كيف تغير الغطاء النباتي لأشجار القرم في الإمارات على مر السنين، بناءً على دراسة أجريت عام 2023. ومع ذلك، كان قياس مناطق أشجار القرم بدقة أمرًا صعبًا. في بعض الأحيان، كانت النباتات البرية القريبة تُحسب عن طريق الخطأ على أنها أشجار قرم، أو كانت مناطق أشجار القرم تتقلص عند إزالة النباتات البرية. هذه المشكلات تجعل من الصعب على العلماء تحديد المدى الدقيق للغطاء النباتي لأشجار القرم.
كيف تتحسن جهود استعادة أشجار القرم
الاستشعار عن بعد
في مشروع الإمارات الجديد لزراعة 50,000 شتلة قرم، سيتم استخدام الاستشعار عن بعد لمراقبة التقدم. ستستخدم هيئة البيئة تقنية الطائرات دون طيار (الدرونز) من شركة “ديندرا” (Dendra)، حيث تمتلك الوسائل اللازمة لزراعة بذور القرم بدقة باستخدام نظامها الآلي لنشر البذور. كما أن الطائرات دون طيار مزودة بالذكاء الاصطناعي، مما يجعلها مفيدة جدًا لتتبع صحة البذور ومراقبة الاضطرابات لمزيد من البحث.
خصوصية الموقع
في أم القيوين، وجد مشروع استعادة أطلقته هيئة البيئة أن التربة التي تحتوي على المزيد من العناصر الغذائية والطين كانت قادرة على الاحتفاظ بالمياه من المد العالي ومساعدة شتلات القرم على الإنبات. ونتيجة لذلك، أصبح هذا الموقع نموذجًا لاختيار مناطق الاستعادة المستقبلية ذات المواصفات المماثلة للتربة.
الاستدامة طويلة الأمد
يعتمد تعافي النظام البيئي على أهداف الاستدامة طويلة الأمد. في الإمارات، يتم تنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة في المناطق المعرضة للتآكل مثل أم القيوين، والظفرة، وبحيرة القرم الشرقية في أبوظبي، كما هو موضح في “المبادئ التوجيهية لاستعادة أشجار القرم”. تتم دراسة التقنيات المتقدمة مثل نماذج التعلم العميق (مثل UNet++) لمراقبة نمو أشجار القرم ودمج هذه البيانات في المنصات المناخية العالمية. يساعد هذا صانعي السياسات والسلطات البيئية على تتبع عزل الكربون ومواءمة جهود الاستعادة مع الأهداف الوطنية للحياد الكربوني.
الخاتمة: دعوة للعمل
وسط شواطئ الإمارات الذهبية، ترتفع أشجار القرم كرموز للمرونة والتجدد. تبث هذه الغابات الساحلية الحياة في الأرض – فتحميها من التآكل، وترعى التنوع البيولوجي البحري، وتحتجز الكربون من أجل مستقبل أنظف. إن استعادة أشجار القرم ليست مجرد زراعة أشجار؛ إنها زراعة للأمل. فكل بذرة تُزرع هي خطوة نحو الانسجام بين الطبيعة والتقدم.
ترجمة: عبدالله فيصل السلامة
طالب وطموح يسعى لتحقيق التميز في مسيرته الأكاديمية والمهنية. يتقن اللغتين العربية والإنجليزية. يتميز بشغفه الدائم لاكتساب المعرفة وتطوير مهاراته في مختلف المجالات.
Note: The English version of the article is available at this link.

