إن الاهتمام بالبيئة له دور كبير لشعور الانسان بالقيمة والفائدة، فإن الاعتناء بالنباتات مثلاً ومشاهدتها تنمو تعطيك شعوراً بأنك قد أحدثت فرقاُ في حياة كائن حي.
العلاقة بين العناية بالبيئة والصحة النفسية
عندما يبدأ الانسان بتقدير ذاته والعناية بصحته البدنية، هنا يبداً التعافي النفسي للإنسان ومن هنا عندما يهتم الانسان بالبيئة فإن وعيه يزداد ايجابياً مما يعزز صحته النفسية. هذه الجرعة من الثقة بالنفس وتقدير الذات تحدث فرقاً كبيراُ في حياة الأشخاص المتعافين من مشاكل نفسية وجسدية، فإذا كان شخص ما يتعافى من الإدمان ويتلقى العلاج، وبدأ يومه بري النباتات مثلاُ وقام بنشاطات إعادة تدوير وإعادة استخدام، فسيشعر بالرضى عن نفسه وسيشعر كذلك بأنه مفيد لذا فإنه سيكمل ما يعمل بجميع أمور حياته، مما يعزز نفسيته ويحسنها.
ربما سمعتم عن حملات تنظيف الشواطئ وغرس الأشجار للأشخاص في مراكز التعافي النفسي يهدف هذا التمرين إلى تحفيز أعصاب هؤلاء النزلاء ليبدأوا بالتفكير بأنفسهم كأشخاص نافعين.
بناء الهوية من خلال الهدف
عندما يكون الانسان مدمن مخدرات على سبيل المثال، فإن شعور عدم الفائدة يبقى ملازماً له وفي أغلب الأحيان يشعر هذا الشخص بأنه فرد غير ضروري في المجتمع، وهنا يأتي دور رعايته بالبيئة بإعطائه شعوراً بأنه شخص مفيد، وله هدف في الحياة، يصبح لديه وعياً أكير في جميع جوانب حياته، فعلى سبيل المثال، يشعر الشخص الذي يحاول الإقلاع عن ادمان الكحول بالفراغ وعدم القدرة على القيام بمختلف المسؤوليات. وبالرغم من ذلك، إذا كُلف هذا الشخص أن يقوم بري النباتات والعناية بها، فسيصبح أكثر مسؤولية، خاصة عندما يرى النباتات تنمو وتزهر تحت رعايته، سيشعر كذلك بالسعادة وسوف يستعيد قيمته الذاتية.
وكذلك أيضاً عندما يقوم الناس بتنظيف البيئة المحيطة بهم، أو يشاركوا بإعادة تدوير النفايات، فإن أي عمل يبدعونه بهذه المواد يرفع ثقتهم بنفسهم، وهذا التعزيز المستمر للثقة والاحترام يساعدهم، بل ويمكنهم من مواجهة مشاكل صحتهم النفسية، وتدريجياً يدركون مكانتهم بالمجتمع ويبدأون بالشعور بالمسؤولية والنضج.
اليقظة العملية
إن الرعاية بالأخرين تتطلب مجهودا وصبراً عاليين. بالإضافة لذلك، فإن تحمل المسؤولية يعني الالتزام. فإذا كان الشخص يهتم بالبيئة فسيكون قادراً على التحلي بالصبر والحضور والالتزام بالتأكيد. جميع هذه الصفات ستجعله أكثر وعياً ومسؤولية وقادراً على التعافي من أي نوع من الامراض. إذا شارك هذا الشخص في أعمال بيئية مختلفة مثل التسميد والزراعة وإعادة التدوير، فسيتباطأ جهازه العصبي مما يجعله هادئاً وسعيداً. ويشجع على الوعي باللحظة الحاضرة ويعزز عملية التفكير، وكذلك فإن العمل البيئي يقوي فكرة أن الجهد – مع مرور الوقت – يؤدي إلى التحول. بعض من هذه الاعمال الروتينية الواعية بالبيئة تعمل على خلق العيش الواعي مما يقلل التوتر والضغط ويساعد على زيادة الشعور بالإنجاز.
من الدمار إلى الترميم
إن تعاطي المخدرات غالباً ما يؤدي إلى غرس أفكار هدامة ويأس شديد لدى المتعاطي، وإذا أفرط شخص ما بتناول أي مادة، فإن آثارها تكون ملحوظة في علاقاته وتفاعله الاجتماعي وكذلك تقدمه المهني وجميع جوانب حياته. وهنا يبرز دور العمل الإصلاحي الذي يعتبر نظيراً نفسياً وروحياً للشفاء. حيث إنه إذ حاول الشخص استعادة أو اصلاح أي ضرر في الأرض فإنه سيزداد ثقة بنفسه ويتحسن نفسياً. إن القيام بإنعاش الحدائق والمساحات الخضراء والحفاظ عليها يعطي هذا الشخص جرعة كبيرة لشفاء من التعاطي.
الفوائد العاطفية للمسؤولية البيئية
إن العمل البيئي كغرس الأشجار وري النباتات ومشاهدتها تنمو له الأثر الملموس في حياة الأشخاص، حيث إن مثل هذه الاعمال تُظهر للفرد أن العمل الجاد والدؤوب يعطي نتائج مثمرة. يشعر هؤلاء الافراد بالتشجيع ويكتسبون شعوراً ايجابياً تجاه أنفسهم، مما يساعدهم على تجاوز الشعور بالعزلة، وكذلك فإن أعمال الاستدامة تُظهر أن التعافي من المشاكل النفسية لا يُضعف الانسان، بل على العكس فإنه يقويه ويجعله أكثر قدرة على المساهمة الإيجابية بالمجتمع، وعندما يراه الناس متحملا للمسؤولية وجاداً بأفعاله فإن ذلك يعيد بناء الثقة في شخصيته والتزامه.
كيفية دمج الرعاية البيئية مع تعافـي الصحة النفسية
فيما يلي سنذكر بعض الطرق العملية لاستغلال الرعاية البيئية واستخدامها بالتغلب على مشاكل الصحة النفسية:
1. برامج العلاج البيئي
يمكن لمراكز التعافي النفسي دمج الأنشطة البيئية، كالبستنة والتنزه بالغابات، والتشجير وكذلك المزارع البيئية، والتسميد وحتى أعمال إعادة التدوير وصناعة الحرف اليدوية، يمكن لجميع هذه الأنشطة أن تكون وسائل رائعة ومفيدة لإعطاء كل نزيل شعوراً بالفائدة، وكذلك فإن الأنشطة التي تقام بمساعدة الحيوانات والرعاية بها تساعد المتعافين بتنظيم مشاعرهم.
2. ورش عمل “المعيشة المستدامة”
إن تعليم المهام البيئية للمتعافين مثل البستنة والتسميد وتعلم العيش بلا نفايات، حيث إن هذا التعليم مفيداً لمن يعانون من مشاكل بصحتهم النفسية، ويُحسّن من اليأس وتعزز من ثقتهم بأنفسهم وتحسن كذلك مهاراتهم الحياتية بشكل كبير.
3. المبادرات المجتمعية
إن التعاون مع المنظمات “الخضراء” المحلية لإشراك السكان بتجارب جماعية كتنظيف الشواطئ مثلاً أو التشجير والعديد من الفعاليات البيئية، يعزز التواصل والعمل الجماعي والمدني.
شفاء أنفسنا من خلال شفاء الكوكب
كلنا نرغب بالشعور بأننا ذوي فائدة، ولهذه الغريزة العديد من الصفات الحميدة التي تصاحبها، بالنسبة للمتعافين من مشاكل الصحة النفسية، فإنها تعتبر فرصة ممتازة لفعل الخير وإحداث تغيير جذري للأفراد والمجتمعات. لقد شاركنا العديد من القصص حيث كيف كان العمل البيئي مساعداً على بناء تقدير الذات والتعافي بشكل أسرع وكذلك رفع الشعور بالرضى عن النفس.
ترجمة: ماجدة هلسه
أردنية متعددة الإهتمامات، لديها من الخبرة ما يقارب السبعة وعشرون عاماً في مجال المالية والإدارة في المؤسسات المحلية والدولية، وتعمل ماجدة حالياً مع التعاون الدولي الالماني كموظفة مالية. ومع ذلك كله وعلى الصعيد التطوعي، فإن لديها شغفاً كبيراً بالترجمة في كافة المواضيع والمجالات، وقد بُني هذا الشغف بالخبرة الشخصية والعملية على مدى هذه السنين.

