المنظمات البيئية غير الحكومية كمحفزات للصالح الاجتماعي – منظور أردني

مع  تزايد عددها ونطاق عملها على مر الأعوام , تسعى المنظمات البيئية غير الحكومية في الأردن  لتصبح أنموذجا في المساهمة الفاعلة من المجتمع المدني والحوكمة التشاركية والاثر الاجتماعي.  فهي   تثبت كيف يمكن  للبيئيين (الخضر) أن يكونوا قدوة تحتذى من قبل غيرهم من قادة التنمية. تواجه هذه المؤسسات  غير الربحية  تحديات مختلفة ليس فقط  من خلال دورها الرقابي و التوعوي  بل أيضا من خلال عملها في التنظيم  المجتمعي وكعناصر للتغيير الذي نطمح اليه في وطننا والمنطقة .

environment-NGOs-Jordan

انسجاما مع الصحوة  العامة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من ريادة اجتماعية وحركات شبابية،  ، بدأت  المشاريع الريادية والمبادرات المنطلقة من المجتمع  في مجالات البيئة بالبروز  كمنصات للشباب للتعبير عن آرائهم والعمل على أرض الواقع. قد يكون الأردن استثناء كونه يتمتع بشكل خاص  بنسبة مرتفعة من الشباب المتعلم  هذا  بالاضافة الى  مواجهة المملكة لضغوطات كبيرة على البنية التحتية والموارد تضخمت مؤخرا بسبب تدفق اللاجئين من الدول المجاورة . على الرغم من ان هذه الظروف تشكل  تحديا كبيرا فهي ايضا تقدم فرصة لتعزيز الابتكار وروح المبادرة  خاصة فيما يتعلق بحلول المياه والطاقة والبيئة في المناطق الحضرية.

تشير الإحصاءات مؤخرا الى أن ما معدله 48  منظمة غير حكومية أردنية يتم تسجيلها كل شهر حيث بلغ عدد هذه المنظمات  حوالي 3800 في العام 2014. ومن بين تلك يبلغ عدد الجمعيات البيئية ما يقارب ال  92 جمعية يقع أكثر من نصفها خارج العاصمة عمان. وجدير بالذكر أن ثماني منظمات بيئية غير حكومية  مشتركة في نفس الأهداف شكلت معا أول اتحاد نوعي للجمعيات البيئية املا منها في أن يجعلها اتحادها  أكثر تأثيرا . سواء كان السبب هو الإطار القانوني والتنظيمي الممكن والداعم أو  زيادة الوعي بين السكان لدور المجتمع المدني في التنمية المستدامة؛ فان هذا التطور في عدد وعمل الجمعيات يدعونا إلى بعض التأمل! هل يعكس هذا العدد تحركا شعبيا حقيقيا نحو  العيش بطريقة مستدامة؟ هل تشكل هذه المنظمات غير الحكومية الخضراء تمثيلا أقوى للحوار بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المحلي بشأن القضايا البيئية؟ هل نحن أقدر كأردنيين  وبيئيين على أن نحس ونقيس أثر التغيير على أرض الواقع؟

في حين لايملك أحد منا اجابات مدعمة ببراهين  لكل هذه التساؤلات، فلا شك في أن تجربة المجتمع المدني الاخضر في الأردن تشكل نموذجا فريدا في المملكة وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. حيث يقود هذه الجمعيات على الأغلب متخصصون ونشطاء أردنيون  يجمعهم توجههم المشترك لاحداث افرق في مجتمعاتهم. واذا ما نظرنا الى التنمية المستدامة  فان الاجيال الناشئة هي أكثر وعيا وتوجها نحو العمل على أرض الواقع . لقد غدت النشاطات التطوعية والمجتمعية داخل وخارج عمان  أكثر ابتكارا وشمولية مما يعد بمستقبل أفضل. ومع ذلك كله، لاتزال المنظمات غير الحكومية  تكافح من اجل استدامتها  المؤسسية والمالية وغالبا ما تتقاعس عن إيجاد طرق مبتكرة تمكنها من الاستمرارعلى الرغم من التنافس المتزايد بين المنظمات المختلفة.

البدايات  والتطور

في الستينات تم تأسيس الجمعية الملكية لحماية الطبيعة (RSCN) كأول مؤسسة تركز على حماية الحياة البرية وإدارة الطبيعة في الأردن، وذلك قبل وجود أي سلطة مختصة بالبيئة في الأردن. واليوم، تواصل RSCN أداء مهامها في مجالات تنظيم الصيد وإدارة المحميات الطبيعية من خلال تفويض  قانوني  من حكومة المملكة الأردنية الهاشمية مشكلة بذلك نموذجا رائدا للشراكة مع القطاع العام. وتقوم  الجمعية بتطبيق مبادئ التنمية المستدامة في المناطق المحمية بما يعكس فرص التشغيل وتنمية المجتمع المحلي بأفضل صورها.  تعتبر محمية ضانا الطبيعية وجهة عالمية للسياحة البيئية  بسبب تلك الشراكات. فلم تعد حماية الطبيعة عقبة أمام التنمية بل ركيزة لضمان استدامتها. ومؤخرا وبهدف  سد الفجوة في المعرفة والمهارات المتعلقة بحماية الطبيعة والسياحة البيئية، فقد أنشأت الجمعية “الأكاديمية الملكية لحماية الطبيعة” وفق أفضل المعايير الدولية.

مع صدور أول قانون حلماية البيئة في عام 1995، ومع  تتابع التطور المؤسسي من خلال إنشاء وزارة البيئة في عام 2003؛ أصبح حتما على  منظمات المجتمع المدني أن تكون جزءا من عملية التطور. كما فرض إدخال أدوات الإدارة البيئية مثل تقييم الأثر البيئي (EIA) عملية التشاور والمشاركة العامة. حيث تم تأسيس العديد من المنظمات غير الحكومية وتدريبها على المشاركة في تلك المشاورات لضمان أن تراعي المشاريع الجديدة الاعتبارات البيئية والمجتمعية في وقت مبكر من مرحلة التخطيط.

انطلاقا من شح موارده  الطبيعية والتزاما بالاتفاقيات البيئية الدولية، فقد بادر الأردن إلى حد إدراج البيئة في اتفاقياته التجارية. حيث تضمنت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والأردن فصلا  بيئيا لأول مرة في تاريخ مثل هذه الاتفاقيات. واشتمل المزيد من الاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف مثل اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والأردن على بعد الاستدامة والبيئة باعتبارها محورا رئيسيا وداعما للتعاون في القطاعات التنموية المختلفة. وبات حتما على المنظمات غير الحكومية أن تتعامل  مع هذا كله وأن ترفع مستوى الحوار نحو مزيد من التكامل  بين البيئة والمجتمع والتنمية الاقتصادية.

اللغة الجديدة

لفترة طويلة، كان التركيز الأساسي للمجتمع البيئي على حماية وصون الطبيعة. لا زال الأردنيون  يتذكرون جهود حشد التأييد الناجحة عام 2006 عندما بذلت المنظمات غير الحكومية البيئية ضغطا استثنائيا على السلطات التشريعية والتنفيذية لمنع الموافقة على التعديلات المقترحة على قانون الزراعة التي كان متوقعا  أن تعرض المناطق الحرجية  الهامة للخطر من خلال السماح بشراء مناطق من الغابات من قبل المستثمرين.

اليوم، يسعى الأردن بقوة  نحو أهداف الاقتصاد الأخضر ليكون أول دولة في المنطقة تقوم باجراء دراسة استكشافية (Scoping Study) ومن ثم إعداد استراتيجية للنمو الأخضر. سيتعين على اثنين وتسعين منظمة بيئية غير حكومية أن تكون مستعدة بشكل جيد لاحتياجات مختلفة تماما. بعيدا عن اللون الأخضر، سييتغلب البعدان الاجتماعي والاقتصادي على أي أولويات أخرى في ضوء زيادة الطلب على فرص العمل والتنمية الاقتصادية المحلية والابتكار. ولذا، سيصبح دمج البيئة في القطاعات التنموية بمثابة أداة جديدة للتخطيط الاستراتيجي لضمان الاستدامة في عملية التنمية. ولابد لمفاهيم المدن الذكية والبنية التحتية الخضراء أن تبدأ بالظهور على شكل مشاريع ريادية  ومن ثم على نطاق اوسع لتبرهن  امكانية جذب الاستثمارات النوعية وايجاد الوظائف النوعية ذات المردود المرتفع.

للمرة الأولى، تتجمع الشركات العاملة في القطاعات الخضراء لإنشاء جمعيات للأعمال تدعو لبيئة ممكنة واقتصاد الأخضر . تعمل هذه الجمعيات تحت قيادة القطاع الخاص على  تقديم البرامج والأدوات اللازمة لتطوير القوى العاملة الخضراء وتنظيم الحوار والشراكات مع القطاع العام والمجتمع الدولي.  هذا التقدم المحرز من قبل القطاع الخاص  الذي نظم جهوده من خلال جمعيات الأعمال ينبغي  أن يشكل نواة لشمول  المزيد من الشركات وخاصة الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في عملية التطور.

الانطلاقة

في أيار 2014 وكخطوة رائدة نحو تأثير أقوى , قررت  ثماني جمعيات بيئية غير حكومية  انشاء ” الاتحاد النوعي للجمعيات البيئية الأردنية ” معلنة  عهدا جديدا من التثير الاجتماعي البيئي وحشد التأييد والحوكمة الرشيدة.

 هذه  الجمعيات الثمانية وهي: جمعية البيئة الأردنية (JES)، الجمعية الملكية لحماية الطبيعة (RSCN)، الجمعية الملكية لحماية البيئة البحرية (JREDS)، جمعية حفظ الطاقة وااستدامة البيئة، المجموعة العربية لحماية الطبيعة، الجمعية الأردنية لمكافحة التصحر، جمعية الزراعة العضوية ، والمجلس  الأردني للأبنية الخضراء  تشكل  مزيجا من القديم والجديد يحكمه  الشغف  والرؤية والاهتمامات المشتركة.

ينص النظام الداخلي للاتحاد على أهداف “الاتحاد النوعي للجمعيات البيئية الاردنية” والتي تغطي المجالات التالية: التاثير على السياسات والتشريعات، والتوعية وبناء القدرات، والتنسيق والتعاون بين الأعضاء وعلى مستوى القطاع، ونشر البيانات والمعلومات، ودعم الأعضاء. في حين أن الكثيرين لا يعلمون  بوجود الاتحاد الا انه يمكن ان يثبت دوره الحيوي في المملكة وفي التنمية المستدامة ككل فقط من خلال أفعاله وآثاره على أرض الواقع.

الأثر الملموس

عبر السنين , تعرضت العلاقة بين الاطراف المختلفة المعنية بالقطاع البيئي  لنجاحات واخفاقات خاصة بما يتعلق بالكيفية التي أدار بها القطاع العام  علاقته مع القطاع الخاص والمجتمع المدني. ومن الواضح أن هذه العلاقة قد نمت في السنوات القليلة الماضية بسبب  الحاجة إلى مواقف أقوى تجاه التحديات الضخمة التي تواجه البيئة في الأردن اضافة الى تزايد الاعتراف بالدور الهام الذي يمكن أن يقوم به كل طرف في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويجدر هنا التنويه الى أن  المنظمات غير الحكومية كانت هي المؤثر الرئيسي في وقف قرار الحكومة الداعي الى دمج وزارتي البيئة والبلديات في عام 2012.

 بغض النظر عن مستوى نضج الاتحاد النوعي للجمعيات البيئيية الاردنية نفسه، فانه يتحمل مسؤولية نضج القطاع البيئي بأسره وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتعزيز الحوار والتنسيق. اولئك القادة ذوو الرؤية الذين أدركوا قيمة التوحد من أجل قضية هم أولئك الذين يتوجب عليهم متابعة تدرج وانتشار هذه الرؤية إلى قطاعات أخرى. متحولة من ردة افعل إلى المبادرة ، يستوجب على  الجمعيات تغيير طريقة تفكير  مجالس إدارتها والعاملين بها لتصبح قادرة فعلا على تغيير المجتمعات. لم يكن قط العالم اكثر اقتناعا بأن القطاع الخاص يحمل وعودا حقيقية للاقتصاد الأخضر والوظائف الخضراء والمستقبل الأفضل. الا ان هناك القليل من التعاون مع مؤسسات البحث والابتكار والمؤسسات التعليمية والتي تعتبر هامة لتطوير العقول وتغيير طرق التفكير. لا يحظى الابتكار البيئي بالاهتمام اللازم  في  منطقتنا. ولا تزال الأبحاث والعلوم والتكنولوجيا بعيدة الى حد ما عن احتياجات السوق. لابد وان تتقدم المنظمات غير الحكومية وجمعيات الأعمال  كمحركات  لعملية تغيير متكاملة ومدروسة تضمن مستقبلا امنا ومزدهرا للجميع بما في ذلك  و الافراد والمؤسسات الخضراء.

ليس لدينا الوقت للانتظار والمشاهدة، فلنشارك جميعا في صنع التغيير!

ترجمة 

م.ديانا عثامنة مختصة في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة تعمل حاليا كمنسقة مشاريع في الشركة العربية الحديثة للطاقة الشمسية .كأول خريجة أردنية من المركز الاقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة   (RCREEE) من خلال البرنامج العربي لشباب الطاقة المستدامة  تراكمت لديها الخبرة التحليلية والتفصيلية في قطاع الطاقة في الأردن . خلال العامين الماضيين، ساهمت في عدد من المشاريع التنموية  في الأردن  مثل مشروع اعادة استخدام  المياه المعالجة وحماية البيئة الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليةUSAID)) ومشروع  (Solar PV Project Visual)الممول من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)و مشروع “توفير طاقة نظيفة لمدن البحر المتوسط”   الممول من الاتحاد الأووبي و حاليا تشرف على تنقيذ مشروع تركيب الخلايا الشمسية للمجتمعات المحلية  الممول من صندوق الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في الاردن بالتعاون مع منظمةMercy Corps . 

Tagged , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Ruba Al-Zu'bi

Ruba Al Zubi is a Sustainability Policy and Governance Advisor/Expert. She is a staunch advocate for policy-enabled action and has gained a unique experience in the areas of policy and planning, institutional development, sustainability mainstreaming into economic sectors, donor relations and research and innovation management. She recently served as Advisor to the President for Science Policy and Programme Development, Royal Scientific Society (RSS – Jordan). Prior to that, Ruba led the Scientific Research Department at Abdul Hameed Shoman Foundation, served as the first Policy Director at the Ministry of Environment, established and led several departments at the Development and Free Zones Commission, and served as the Chief Executive Officer of EDAMA Association for Energy, Water and Environment. In the nonprofit world, Al Zubi is a Plus Social Good Advisor with the United Nations Foundation and a Founding Member of Jordan Green Building Council. She is a global volunteer, mentor, speaker and blogger.

2 Responses to المنظمات البيئية غير الحكومية كمحفزات للصالح الاجتماعي – منظور أردني

  1. Pingback: المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية | EcoMENA

  2. Pingback: المكافحة المتكاملة للآفات - وادي ديم

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.