الزراعة العضوية في الأردن – الواقع والطموح

في ظل توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله في دعم الأمن الغذائي ورفع إنتاجية القطاع الزراعي وتوجيه جلالته البوصلة نحو إيجاد حلول فعالة وواقعية وقابلة للتنفيذ في الأردن ،والتركيز بضرورة دعم وتفعيل التشاركية بين القطاع العام والخاص كقيمة مضافة لزيادة فرص الإستثمار والتسويق في القطاع الزراعي .وبالتالي تعتبر الزراعة العضوية شريان رئيسي للأمن الغذائي وسلامة الغذاء فيها ركيزة أساسية يتم تحقيقها بهذة الزراعة.

introduction to greenhouse gardening

خلال السنوات الأخيرة بدأت الزراعة العضوية تأخذ حيزاً من الإهتمام في الأردن والعالم العربي لتحقيق العديد من الأهداف والفوائد للإنسان والبيئة من خلال إستخدام المواد المتوفرة بالمزرعة ،وإستغلال أمثل للموارد الطبيعية والمحافظة عليها وإنتاج غذاء عالي الجودة وبأقل كمية ممكنة من الكيماويات والتقليل من تلوث موارد المياه الطبيعية بالإضافة إلى مكافحة الآفات والامراض بطرق طبيعية ، مدعمةً بزيادة الوعي البيئي والغذائي وبعض المبادرات المحلية والدولية وتُعد من القطاعات الناشئة نسبياً، لكنها تشهد تطوراً متزايداً نتيجةً لتزايد الوعي بأهمية الغذاء الصحي.

وتعرف الزراعة العضوية بأنها نظام زراعي يعتمد على إستخدام المدخلات الطبيعية فقط في جميع مراحل الإنتاج، دون اللجوء إلى المواد الكيميائية المصنعة مثل المبيدات والأسمدة الكيماوية ضمن شروط ومواصفات عالمية سعياً لتحقيق التوازن البيئي، والمحافظة على خصوبة التربة، وإنتاج غذاء صحي وآمن وبيئة نظيفة.

في الأردن خاصة ،لا تزال المساحات محدودة مقارنة بالزراعة التقليدية، إلا أنها في إزدياد تدريجي.وبحسب تقرير وزارة الزراعة الأردنية بالتعاون مع الوكالة الألمانية للإنماء  GIZ (2019)، بلغت المساحات المزروعة عضوياً ما يقارب 3500 دونم، وتشًكل أقل من 0.2% من مجمل الأراضي الزراعية في المملكة ورغم صغر النسبة إلا أن هناك نمواً سنوياً بمعدل 8-10% وفق تقديرات غير رسمية. أما أكثر المناطق التي توجد فيها مزارع عضوية هي الأغوار الشمالية، محافظة عجلون، لواء الشوبك ، محافظة الكرك وتشمل المحاصيل المزروعة عضوياً الخضروات مثل الخيار، البندورة، الفلفل، الكوسا، الخس، والسبانخ ، بالإضافة إلى بعض الأعشاب الطبية والعطرية مثل النعناع، الميرمية، الزعتر، والبابونج ، أما زيت الزيتون العضوي فيشكل أحد أهم المنتجات العضوية المعدة للتصدير، خصوصاً من مزارع محافظة الكرك ولواء الشوبك.

ويبلغ عدد المزارع العضوية المعتمدة حسب آخر الإحصاءات المتاحة (حتى 2022) نحو 40 مزرعة، معظمها بمساحات صغيرة،وتصدر شهادات الإعتماد عن جهات  مختلفة مثل(IMO ) سويسرا ( CERES ) ألمانيا ، وشهادات محلية من جهات تحت إشراف وزارة الزراعة الأردنية وهناك عدد محدود من المزارع حاصل على شهادات عضوية محلية أو دولية مثل شهادة EU Organic أو USDA Organic، بسبب التكاليف العالية وصعوبة الإجراءات، كما يتركز التسويق والطلب على المنتجات العضوية في الأسواق المحلية الراقية وبعض الأسواق التصديرية (مثل دول الخليج وأوروبا)، لكن ثقافة المستهلك الأردني لا تزال بحاجة لتوعية أوسع حول فوائد الزراعة العضوية.أما الدعم فيتم تقديمه لهذة الزراعة من خلال المؤسسات الحكومية  وغير الحكومية، لكن ما زال بحاجة إلى تعزيز في مجالات التدريب، التمويل، والتسويق خاصة من خلال المنظمات الدولية مثل ( GIZ) الالماني والتي تدعم مزارعين عضويين بالتدريب والشهادات وأيضاً الجمعية الأردنية للزراعة العضوية (JOAA) والتي تعمل على التوعية والمساعدة في التسويق.

لا تخلو أي زراعة أو تطور زراعي من تحديات مثل  التي تواجهها الزراعة العضوية منها ارتفاع التكاليف لمتطلبات عمالة أكثر وتكاليف السماد العضوي والمكافحة الحيوية ،وضعف التسويق بعدم وجود أسواق عضوية متخصصة وموحدة، ومحدودية الوعي لدى المستهلك الأردني بتفضيل الجودة على السعر لدعم الإقبال على هذة المنتجات،عدا عن صعوبة الحصول على شهادات عضوية لإرتفاع تكاليفها محلياً وعالمياً وأخيراً نقص البحث العلمي التطبيقي من دراسات وأبحاث كافية تدعم المزارعين بالمعلومات والإبتكارات المناسبة للبيئة المحلية.

backyard garden

ولا تتوقف الأمنيات والطموح المستقبلي خلال آفاق التطوير من التوسع في المساحات بخطط حكومية (غير رسمية) لرفع المساحات العضوية إلى 10,000 دونم بحلول 2030،ودعم المزارعي للتحول للزراعة العضوية تدريجياً، والعمل على تسهيل منح الشهادات بتأسيس هيئة محلية لإعتماد المزارع العضوية من خلال المؤسسات الحكومية المعنية ،بالإضافة إلى دعم إنشاء أسواق عضوية محلية بعيداً عن الأسواق التقليدية لبيع منتجات عضوية مباشرة من المزارع للمستهلكين، وفتح الأسواق التصديرية بإستغلال الميزة النسبية التصديرية الأردنية لزيت الزيتون العضوي والمنتجات الطبية والعطرية خاصة لدول الخليج (الإمارات، قطر، السعودية،…)ودول أوروبا (ألمانيا، هولندا،..)، ،مع ضرورة توفير تمويل لمشاريع صغيرة ومتوسطة للتوسع في هذة الزراعة لخلق فرص عمل ودعم التنمية الريفية

مع كل التحديات لا تخلو الأردن من قصص نجاح أردنية  مثل مزرعة “مزارع الشوبك العضوية” والتي حصلت حصلت على شهادة EU Organic وتصدر أعشاباً طبية وزيت زيتون عضوي إلى ألمانيا. وأيضاً شركة أرضنا (Ardna Organic) والتي تقدم سلال خضار عضوية داخل عمان وتعتمد على الزراعة المستدامة في الأغوار الشمالية.

في الخلاصة

رغم أن الزراعة العضوية في الأردن لا تزال في مرحلة مبكرة، إلا أن الإمكانات متوفرة لتحقيق قفزة نوعية في هذا المجال. فالطلب الإقليمي والعالمي على الغذاء الصحي في تزايد، والمناخ الأردني مناسب للعديد من المحاصيل العضوية، ومع تعزيز البنية التحتية، وتقديم الحوافز، وتوسيع نطاق التوعية، يمكن للزراعة العضوية في الأردن  فسلامة الغذاء ركيزة أساسية في الأمن الغذائي الوطني والتنمية المستدامة وخياراً استراتيجياً مما يتطلب شراكة حقيقية بين الحكومة، المزارعين، والمجتمع المدني لدعم هذا التحول النوعي في القطاع الزراعي من خلال حملات توعية تقودها وزارات ومؤسسات غير ربحية حول فوائد الغذاء العضوي، لا سيما للأطفال والنساء الحوامل.

#دعم المزارع الأردني واجب وطني يفوق كل الواجبات لأنه الذراع الرئيسي للأمن الغذائي#

Tagged , , , , , . Bookmark the permalink.

About Fida'a Ali Al-Rawabdeh

المهندسة فداء علي أحمد روابدة من مواليد 1969 ، تدرجت في تعليمها العلمي حتى حصلت على البكالوريوس في الإنتاج النباتي والوقاية من الجامعة الأردنية في العام 1992 والدبلوم العالي في الحكومة الإلكترونية من الجامعة الأردنية في العام 2010. تبوأت خلال مسيرتها العملية عدة مناصب من أهمها منصبها الحالي كرئيس للمكتب الاقليمي لمنطقة المشرق العربي للمنظمة العربية للتنمية الزراعية منذ العام 2017، كما شغلت العديد من المناصب في وزارة الزراعة منها مستشار معالي وزير الرزاعة ،مستشار الامين العام ، مدير لمديرية الوقاية نمدير مديرية الوقاية وصحة النبات، مدير مشاريع متخصصة ، وقد نفذت العديد من المشاريع التي كان لها الأثر المباشر في تطوير قطاعات الإنتاج النباتي ووقاية النبات وقطاع النخيل

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.