أدى الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة الأحفورية، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بتغير المناخ والتقدم في قطاع الطاقة المتجددة، إلى تحفيز الاهتمام بأنظمة الطاقة النظيفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. تتمتع منطقة البحر الأبيض المتوسط بموارد متجددة وفيرة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية، مما يجعلها منطقة خصبة لتطوير الطاقة المتجددة. وقد لعب القطاع الزراعي دورًا رئيسيًا في تقدم قطاع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم حيث أنه يوفر مساحات كبيرة يتم فيها بناء مشاريع الطاقة المتجددة، كما أنه المصدر الرئيسي للمواد الأولية لمشاريع طاقة الكتلة الحيوية. فعلى سبيل المثال، يمثل القطاع الزراعي خُمس إجمالي الطاقة الكهروضوئية المركبة في ألمانيا. الهدف الرئيسي من هذا المقال هو استكشاف الدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الزراعي في منطقة البحر الأبيض المتوسط في الاستفادة من إمكانيات الطاقة المتجددة الهائلة المتاحة في جميع أنحاء المنطقة.
طاقة الرياح
في البلدان التي تعاني من نقص في الأراضي المتاحة لبناء عنفات الرياح، يلعب القطاع الزراعي دوراً رئيسياً من خلال توفير مساحات كافية. فعلى سبيل المثال، تعمل جمعيات المزارعين التعاونية في الدنمارك على تنويع مصادر دخلها من خلال الاستثمار في طاقة الرياح. ويمتلك المزارعون الدنماركيون ما يقرب من ربع طاقة الرياح المستمدة من عنفات الرياح. ويجري التوجه نفسه في ألمانيا حيث أنشأ المزارعون شركات خاصة لتطوير مشاريع طاقة الرياح. ويمكن بناء مزارع الرياح في المزارع دون أي تأثير ضار على الأنشطة الزراعية. إن إمكانات طاقة الرياح وفيرة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط بسبب الموقع الجغرافي الذي يتميز بساحل طويل.
ويعد دمج مشاريع طاقة الرياح في القطاع الزراعي فرصة اقتصادية مثيرة للاهتمام للمؤسسات الزراعية في المنطقة. ومع ذلك، نظرًا لأن مشاريع طاقة الرياح تتطلب رأس مال ضخم، فهناك حاجة لتحريك الأموال لتطوير مثل هذه المشاريع. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى إنشاء آليات تمويل مشجّعة للمزارعين وبناء قدراتهم في تطوير وإدارة مشاريع طاقة الرياح. سيساعد تطوير مشاريع طاقة الرياح المملوكة للمزارعين في الحصول على إيرادات إضافية. كما سيؤدي ذلك إلى تحقيق اللامركزية في إنتاج الكهرباء، مما سيقلل من خسائر التوزيع ويقلل من الاعتماد على الشبكة الوطنية.
الطاقة الشمسية
تتلقى منطقة البحر الأبيض المتوسط واحدة من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في العالم. كما أن توافر مساحات كبيرة من الأراضي غير المستغلة في المنطقة، وخاصة في دول الشرق والجنوب، يجعل من أنظمة الطاقة الشمسية، وخاصة الخلايا الكهروضوئية اقتراحاً جذاباً لبلدان المنطقة. يمكن للمزارع الزراعية في منطقة البحر الأبيض المتوسط استخدام الأنظمة الكهروضوئية لتوليد الطاقة المنزلية والتجارية أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد قليل من التطبيقات في القطاع الزراعي مثل ضخ المياه والري.
تضمن الأنظمة الكهروضوئية خارج الشبكة توفير إمدادات مياه موثوقة ومستقلة تماماً وبتكلفة منخفضة – بدون مولدات تعمل بالوقود أو أنظمة بطاريات أو خطوط طاقة طويلة. يمكن للطاقة الشمسية أن تجعل الري مستقلاً عن طاقة الشبكة. ويمكن تشغيل أنظمة الري بالتنقيط منخفض الضغط باستخدام أي مضخة تعمل بالطاقة الكهروضوئية، مما يجعلها مثالية للمناطق غير المتصلة بالشبكة. وتتطلب مشاريع الطاقة الكهروضوئية استثمارات رأسمالية منخفضة ويمكن تطويرها على نطاقات صغيرة إلى متوسطة.
طاقة الكتلة الحيوية
يمكن إنتاج مجموعة متنوعة من أنواع الوقود من موارد الكتلة الحيوية الزراعية بما في ذلك الوقود السائل، مثل الإيثانول والميثانول والديزل الحيوي والديزل فيشر-تروبش. وكذلك الوقود الغازي، مثل الغاز الحيوي والميثان والهيدروجين. تشمل الموارد الزراعية السماد الحيواني ومخلفات المحاصيل المشتقة أساساً من الذرة والحبوب الصغيرة. كما يمكن أن تكون مجموعة متنوعة من المحاصيل ذات الأهمية الإقليمية، مثل القطن وقصب السكر والأرز وبساتين الفاكهة والمكسرات مصدراً لمخلفات المحاصيل. وعلى الصعيد العالمي، غالبًا ما يُستخدم الوقود الحيوي لتشغيل المركبات وتدفئة المنازل والطهي.
ويُعتبر الوقود الحيوي عموماً من بين الخيارات التي تقدم العديد من الأولويات، بما في ذلك الاستدامة، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتنمية الإقليمية، والتنمية الريفية، والبنية الاجتماعية والزراعية، وأمن الإمدادات. ومن الأنواع التي يتم زراعتها واستغلالها لهذه الأغراض نبات الجاتروفا كركاس الذي يُزرع على نطاق واسع في البرازيل والهند لإنتاج وقود الديزل الحيوي. ويمكن زراعة الجاتروفا بنجاح في المناطق الجافة في البحر الأبيض المتوسط لإنتاج الديزل الحيوي. وتعتبر محاصيل الطاقة هذه مفيدة للغاية في منع تآكل التربة وتحريك الكثبان الرملية. والواقع أن الجاتروفا تزرع بالفعل على نطاق محدود في بعض بلدان الشرق الأوسط، وخاصة مصر، وهناك إمكانات هائلة لاستغلالها تجارياً.
الخاتمة
لقد حان الوقت للقطاعات الصناعية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وخاصة القطاع الزراعي، للقيام بالتحول اللازم للمساهمة في التنمية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال الاستفادة القصوى من أحدث التطورات التكنولوجية في قطاع الطاقة المتجددة.
ترجمة: لونا المومني
أستمتع بالعمل على مشاريع تُحدث تغييرًا حقيقيًا ومستدامًا في المجتمعات. من خلال دراستي وخبرتي في التخطيط الحضري والاستدامة، أتيحت لي الفرصة للتعاون مع أشخاص من خلفيات مختلفة والمساهمة في مبادرات مؤثرة. أواجه التحديات بعقلية عملية تركز على الحلول، سواء من خلال البحث، التنسيق، أو العمل الميداني. أؤمن بأن التقدم يتحقق من خلال التعاون والمرونة والإصرار، وأسعى دائمًا لتطوير نفسي والمساهمة في إحداث فرق إيجابي.
Note: The original English version of the article is available at this link.