السواك : فرشاة الأسنان العربية العضوية

منذ القدم, استخدم الإنسان العديد من التقنيات الطبيعية للحفاظ على صحة الفم والأسنان, ومن هذه الأدوات استخدم أغضان وجذور الأشجار المتواجدة طبيعياً في المناطق التي قطنها, ومن هذه الأشجار شجرة الآراك أو Salvadora persica  المنتشرة في المنطقة العربية. تسمى الأعواد المشتقة من شجرة الآراك بالمسواك أو السواك, يرجع إستخدام السواك في المنطقة العربية إلى عصر ما قبل الإسلام,  لكن كان للإسلام عظيم الأثر في إنتشار وإستمرارية إستخدام السواك في العالم, فكما ورد في الأحاديث الشريفة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر إستخدام السواك جزءاً مهماً من الطقوس الدينية الإسلامية للحفاظ على نظافة الفم وصحة الأسنان واللسان, كما نسبت الأحاديث  النبوية العديد من الفوائد الصحية الأخرى للسواك بما في ذلك تعزيز الذاكرة والبصر، والمساعدة على الهضم، وتخفيف الصداع، وتخفيف ألم الطواحين وتقوية مخارج نطق الكلام وتصفية الصوت والتخلص من بحة الصوت.

شجرة الآراك  

تنتمي شجرة الآراك إلى الفصيلة الآراكية, وهي شجرة دائمة الخضرة تعيش في المناطق الحارّة والإستوائيّة والصحراويّة, أزهارها صفراء تميل إلى الخضرة، أما ثمارها والتي تسمى بالكباث فهي صغيرة الحجم بطعم ٍ حلوٍ يكون لونها في البداية أخضراً ومن  ثم يتحول إلى الأحمر وعند النضج  تصبح سوداء اللون, وتتميز شجرة الآراك – أو كما تسمّى أحياناً شجرة السواك- بمقاومتها للجفاف وملوحة التربة.

فوائد الآراك الصحية والإقتصادية

من الناحية الصحية, فإن القيمة العلاجية والطبية الفريدة للسواك مثبتة وبالأدلة العلمية, حيث يمزج السواك بين عنصريين أساسيين للحفاظ على صحة الفم والأسنان وهما: المواد الكيميائية الفعالة ذات الخواص المضادة للجراثيم الضارة, والتقنيات الميكانيكية المرنة التي تساعد على الوصول إلى جميع المناطق في الفم دون القيام بحت الأسنان وبالتالي عدم التسبّب بحساسيتها ودون التسبب بأي أذى للثة. ولقد أظهرت الأبحاث أن السواك إذا ما استخدم بالطريقة الصحيحة فإنه يحافظ على صحة الفم بفعالية عالية ويعمل كمضاد للمايكروبات المسببة لإصفرار الأسنان وتشكل طبقة البلاكplaque ، كما أنه يمتلك خصائص طبية تجعل منه علاجاً فعالاً لإلتهاب اللثة وأداة ممتازة لتبييض وتطهير الأسنان ووسيلة للقضاء على رائحة الفم الكريهة مع توفير رائحة فم لطيفة. كما ولقد ثبت علمياً أن تركيب السواك يحوي مكونات طبيعية مفيدة تعمل كمواد مضادة للإلتهاب والإحتقان وعلاج تسوس الأسنان والتي لا توجد عادة في معاجين الأسنان التجارية .

وهذا ولقد حصل السواك على قبول عالمي حيث شجعت منظمة الصحة العالمية على إستخدام عصي المضغ كأداة فعالة للحفاظ على النظافة الفموية. أما تجارياً، فلقد أنتجت بعض البلدان مثل السعودية ومصر وسويسرا والهند والباكستان وماليزيا معاجين أسنان تحوي العناصر الفعالة الموجودة في شجرة الآراك.

يعد الآراك أو S.persica    من الناحية الإقتصادية نباتاً متعدد التطبيقات, إذ يستفاد من ثماره كفاكهة تمتاز بحلاوة الطعم ذات قيمة غذائية عالية للإنسان والطير, كما وترعى النوق والأغنام على أوراقه وثماره وأغضانه حيث أنها غنية بالدهون وتساعد على زيادة وزن المواشي وكمية إنتاجها من الحليب, كما وتحوي أوراق وثمار الآراك مواد غذائيّة مهمّة تعمل على تقوّية أجسام الأغنام والإبل, أيضاً يستخرج من الآراك الصمغ والراتنجات (Resin). بالإضافة إلى ذلك، فإنه يستخدم كنبات في تربية النحل والناتج في هذه الحالة عسلٌ غني بالمركبات الطبية الطبيعية. ليس هذا فحسب,  بل وتحتوي بذور الآراك على نسبةٍ عاليةٍ جداً من الزيت تصل إلى 40% من محتوى هذه البذور, هذا الزيت ذو قيمةٍ اقتصاديةٍ مرتفعة حيث يستخدم في صناعة الصابون والمنظفات ويعتبر هذا الزيت بديلاً جيداً لزيت جوز الهند, ويستخدم زيت الآراك موضعياً على الجلد لعلاج الروماتيزم وتمسح به أجساد الأطفال الحديثي الولادة نظراً لخواصه المطهرة .

مما لا شك فيه أن السواك أداة إقتصادية للحفاظ على نظافة الفم نظرًا لوفرتها ولسهولة إنتاجها،  ولكن ومن المدهش أنه وبالرغم من الإستخدام التاريخي والواسع النطاق للسواك في المنطقة العربية, إلا أنه لم يتم بحث إستخدامه سابقاً من الناحية البيئية كأداة للحفاظ على الصحة الفموية ومقارنة ذلك مع تحقيق أهداف التنمية المستدامة, إذ يمكن إستغلال الإستخدام الواسع للسواك في البلاد الإسلامية بيئياً وذلك بتقديم السواك كأداة صديقة للبيئة وفريدة من نوعها  لتنظيف الفم والأسنان كما سيوضح لاحقا.

فوائد الآراك البيئية

أولاً من الناحية الزراعية

تنتشر زراعة الآراك أو S.persica على نطاق واسع في عدة مناطق في شبه الجزيرة العربية وذلك ليس فقط لإستخدام فروعها كفراشي أسنان طبيعية، إنما أيضاً لتوظيف النبات نفسه كمصداتٍ للرياحِ ولتشكيل أحزمةٍ طبيعيةٍ لحماية محاصيل البستنة والزراعة, كما وتُزرع أشجار الآراك في الأودية الصحراويّة لتثبيت التربة ومنع إنجرافها, هذا وتساعد زراعتها في إستصلاح موائل الكثبان الرملية وإستغلال التربة المالحة في الزراعة.

ثانياً من ناحية الحفاظ على المصادر الطبيعية

تعتبر عمليتي إنتاج السواك وإستهلاكه عمليتان مستدامتان وتحافظان على عناصر البيئة من ماء وهواء وتربة,  فمن حيث التركيب فهو يتركب من مادة عضوية بحتة متوفرة طبيعياً,  أما من ناحية الإنتاج فلا تحتاج عملية إنتاجه إلى خبرة أو أية موارد أو مواد إضافية أو مصانع أومعدات ضخمة, كما أنه على عكس عملية تصنيع فراشي الأسنان ومعاجين الأسنان الصناعية, فإن إنتاج السواك لا يولد نفايات صناعية نهائياً ولا يلوث الهواء كما تفعل الصناعات الحديثة, أضف إلى ذلك أن إنتاجه  يعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية الطبيعية فقط فهو بذلك موفر للطاقة ولا يعتمد على طاقة الوقود الأحفوري الملوثة للبيئة,  أما من ناحية إستهلاك المياه  فإن نبتة S.persica تتمتع بقدرة عالية على تحمل ملوحة التربة حيث يمكن لبذور هذا النبات أن تنمو في ماءٍ مالحٍ معدل ملوحته dsm 15,
كما تتميز هذه النبتة بإستهلاكها الضئيل للماء حيث أن شجرة الأراك قادرة على تحمل بيئة قاحلة للغاية مع متوسط ​​هطول أمطار أقل من 200 ملم سنوياً.  وحتى بعد الإستخدام, فإن السواك صديق للبيئة حيث أن التخلص من بقاياه سهل جداً نظراً لطبيعته العضوية.

السواك وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة

وعند الرجوع إلى أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDG), نجد أن إستخدام السواك كبديل مستدام لفرشاة الأسنان الصناعية يحقق بصورة مباشرة أو غير مباشرة الأهداف التالية :

  • الهدف الثالث المتمثل بتمتع الجميع بأنماط عيش صحية.
  • الهدف السادس المتمثل بتوافر المياه للجميع وإدارتها إدارة مستدامة.
  • الهدف السابع المتمثل بالطاقة نظيفة والمستدامة.
  • الهدف الحادي عشر المتمثل بمدن ومجتمعات محلية مستدامة.
  • الهدف الثاني عشر المتمثل بوجود أنماط إستهلاك وإنتاج مستدامة.

الخلاصة

مما سبق يستنتج أنه يمكن تبني السواك بسهولة كفرشاة أسنان صديقة للبيئة وكبديل أخضر لفرشاة الأسنان البلاستيكية التقليدية للحفاظ على نظافة الفم وصحة الأسنان, حيث أنه فرشاة أسنان عضوية طبيعية تتميز بوفرتها وبسهولة إستخدامها وبإنخفاض تكلفتها وتكلفة إنتاجها وتوفيرها للماء والطاقة مع عدم إنتاجها للنفايات الصناعية أو تسببها بالتلوث سواء في أثناء عملية التصنيع أو بعد الإنتهاء من الإستخدام, هذا وإن زراعتها تعتبر إستصلاحاً للتربة المالحة  وذات قيمة إقتصادية وبيئية مهمة.

Tagged , , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Nura A. Abboud

Nura A. Abboud is an environmental activist and Founder of the Jordanian Society for Microbial Biodiversity (JMB), the only NGO in the Middle East concerning the microbial biodiversity. Nura specializes in molecular biology, biological sciences, microbial biodiversity, genetic fingerprinting and medical technologies. Her vision is to establish an eco-research center in the astonishing desert south of Jordan. She has received several scholarships and awards including honorary doctorate in Environmental leadership.

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.